Monday, August 27, 2012
معركتي من اجل حرية التعبير في مصر
معركتي من اجل حرية التعبير في مصر
عبد الحليم قنديل
"لماذا تبدو حملة الحكم الإخواني في مصر ضد حريات الصحافة والإعلام والتعيير جنونية إلى هذا الحد؟، ولماذا يكرر محمد مرسي في أيامه الأولى ما كان يفعله مبارك في أيامه الأخيرة؟!.
الظاهرة ملفتة ومتضخمة ومطردة، فقد عين مرسي في وزارته الأولى صحفيا إخوانيا كوزير للإعلام، وكانت وزارة الإعلام قد ألغيت في التشكيل الوزاري الأول بعد الثورة الأخيرة، فالنظم الديمقراطية لاتعرف شيئا اسمه وزارة إعلام ولاوزير إعلام، لكن الوزارة الملغاة عادت مع ميل المجلس العسكري الحاكم وقتها للتحكم في وسائل الإعلام، وواصل مرسي السيرة نفسها حتى بعد التخلص من حكم المجلس العسكري، وجرى اختيار صحافي إخواني ظل طوال عمره العملي نقابيا محترفا، وبلا علاقة وثيقة بالمهنة، فلم يسبق له أن أدار أي مؤسسة مهنية عامة أو مستقلة، وكل مزاياه أنه كادر إخواني ملتزم بأوامر السمع والطاعة، وجرى وضعه على قمة جهاز إعلامي يملك عشرات الإذاعات والقنوات التليفزيونية، والتي نزحت من خزينة الدولة مئات المليارات من الجنيهات، وعملت كرديف إعلامي للجهاز الأمني في خدمة مبارك وعائلته، ثم يراد الآن أن تتكرر القصة نفسها، وأن يعمل الجهاز الإعلامي المتضخم في خدمة مرسي وجماعته، وعلى حساب اقتصاد منهك يتسول القروض والهبات، وسرت رغبة السيطرة ذاتها فيما يخص ما يسمى في مصر بالصحف القومية، ومن خلال سبع مؤسسات تصدر عنها عشرات الصحف والمجلات، وتنزح من موارد الخزينة العامة أيضا، فكلها خاسرة ماليا ومنهكة إداريا، وباستثناء مؤسستي 'الأهرام'، 'الأخبار'، ولديهما توازن اقتصادى نسبي، وكانت وسيلة السيطرة الإخوانية على إمبراطورية الصحف مختلفة قليلا عن حكاية تعيين وزير إعلام، فقد لجأت الجماعة الإخوانية إلى وسيلة 'مجلس الشورى'، والمجلس إياه في حكم المنحل قانونا، وثمة دعوى معروضة ببطلان تشكيله على المحكمة الدستورية العليا، والتي سبق أن قررت حل مجلس الشعب لبطلان قانون انتخابه، وهو ذات القانون الذي جرى على أساسه انتخاب مجلس الشورى، ومع فارق ملموس جدا، وهو أن نسبة الإقبال التصويتي على انتخاب الشورى كانت عظيمة الهزال، ولم تصل حتى إلى نسبة عشرة بالمئة من إجمالي الناخبين المقيدين، أي أن مجلس الشورى القائم بلا شرعية قانونية ولا حجية شعبية، وإن كانت الأغلبية فيه للإخوان والسلفيين، ولم يعبأ الحكم الإخواني بعوار مجلس الشورى، وهو 'المالك الاسمى للصحف القومية' بحسب الصيغة الركيكة الموروثة عن عهد مبارك، وعين رؤساء تحرير جدد للصحف القومية من عينة المنافقين وكتاب التقارير ومندوبي الإعلانات، وتحولت الصحف الحكومية ـ إياها ـ إلى الطبل والزمر لمرسي، وبالضبط كما كانت تفعل مع المخلوع مبارك، ومع كل هذه السيطرة لم يحس الحكم الإخواني بالأمان، واندفع في تقليد مبارك إلى النهاية، وتوسع في تنظيم اعتداءات بدنية على الصحافيين والإعلاميين، ثم في إقامة دعاوى ضد صحافيين كبار ورؤساء تحرير صحف مستقلة، وبتهمة 'إهانة الرئيس' مرسي، ووصلت الهجمة الهمجية إلى ذروتها باتهام الكاتب الصحفي عادل حمودة وكاتب هذه السطور.
وقد بدا ملفتا لكثيرين اتهام شخصي بالذات، وبتهمة إهانة الرئيس ذاتها، والتي وجهت لي في أيام مبارك، وقد كنت وقتها الصحفي المصري الوحيد الذى أحيل للمحاكمة بتهمة إهانة مبارك، جرى ذلك في أواخر سنة 2006، وكانت المناسبة مقالا نشرته في جريدة 'الكرامة' التي كنت وقتها رئيسا لتحريرها، حمل المقال عنوان 'أشعر بالعار لأنك الرئيس'، بينما حمل المقال المتهم هذه المرة عنوان 'الدولة العبيطة والجنرال مرسي'، وقد نشرته في جريدة 'صوت الأمة' التي لا أزال رئيسا لتحريرها حتى وقت كتابة هذه السطور، ويلفت النظر أن حزب الإخوان استخدم ذات الطريقة التي استخدمها حزب مبارك، وهي تكليف أعضائه برفع الدعوى، وفيما يعرف باسم 'دعاوى الحسبة'، وهي طريقة شاذة من الزاوية القانونية المجردة، فبحسب قواعد الإجراءات الجنائية المصرية، لايصح إلا أن يكون المدعي هو المتضرر نفسه في قضايا النشر، وليس أي شخص آخر غير ذي صفة في الخصوص، أى أن مبارك كان يجب أن يكون المدعى المباشر في قضية اتهامي بإهانته، وأن يكون الشيخ مرسي هو المدعي في القضية الجديدة، وهذا ما لم يحدث، ويفترض بصحيح القانون أن يبطل الدعوى، لكن مرسي يعول على ما كان يستند إليه مبارك نفسه، وهو خراب النظام القضائي المصري، ووجود عدد لا بأس به من قضاة التليفون في محاكم الجنايات، هذا بالإضافة إلى تبعية جهاز النائب العام عمليا للسلطة التنفيذية، وهو ما يفسر إحالة البلاغ المقدم ضدي إلى نيابة أمن الدولة العليا 'طوارئ'، وكأنني متهم في جريمة إرهابية، وهو ما يثير العجب والسخرية من القصة كلها، ويعطي الحريات إجازة، ويبعث الحياة في واحدة من أحط مواد قانون العقوبات وأكثرها غلظة، وهي المادة (179) من قانون العقوبات، والتي تجرم وتحرم ما تسميه 'إهانة الرئيس' على طريقة العيب في الذات الملكية، وتجيز الحبس الاحتياطي للصحفي المتهم فيها، ناهيك عن عقوبة الحبس عند الإدانة النهائية، وعلى طريقة ما جرى مؤخرا للزميل إسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور، والذي أفرج عنه بقرار من مرسى تلافيا لمزيد من الفضائح الرئاسية.
وقد يقولون لك أن هناك فرقا، وأن مرسي رئيس منتخب، بينما مبارك لم يكن كذلك، وهذا صحيح شكلا، فقد فاز مرسي بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكنت ممن رجحوا كفته، ودعوت إلى التصويت لصالحه على طريقة أكل الميتة ولحم الخنزير، وليس لمزايا تصورتها في مرسي وجماعته الإخوانية، بل لرزايا كانت مؤكدة في حالة منافسه أحمد شفيق، وقد كان من المعاونين المقربين لمبارك، وقلت وقتها أنني سوف أكون أول المعارضين لمرسي وجماعته الإخوانية، وتماما كما كان موقفي من مبارك، ومع فارق أن مرسي منتخب، وتتيح الديمقراطية التي أتت به حرية أن تعارضه، لا أن يتحول إلى ديكتاتور يحتمي بإجراءات القهر، وهو مايتحول إليه مرسي الآن، وبصورة تلغي الفارق في المضمون ـ لا الشكل ـ بينه وبين مبارك، فقد تحول الشيخ مرسي إلى 'مبارك بلحية ' إن صح التعبير، ولو حلق مرسي لحيته لوجدنا تحتها وجه مبارك الكئيب.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment