A VERY GOOD COMMENT
By Haneen Zou'bi
تاريخ النشر: 23/08/2013 - آخر تحديث: 17:23
من الطبيعي أن نكون متابعين لتفاصيل ما يجري في مصر، ومن الطبيعي أن نكون قلقين
وحريصين أن تعود الثورة لمسارها ومهامها الأساسية: التخلص من دولة مبارك، بناء
الديمقراطية وأسس العدالة الاجتماعية، ومحاكمة كل من قتل أو اعتدى على المتظاهرين
والمواطنين المصريين بما فيهم القوات الأمنية. لكن ذلك لن يكون في وضع ينقسم فيه
المجتمع المصري ويخوّن فيه كل قسم القسم الآخر.
ليس فقط أن بعض القوى الثورية حادت عن مهامها الطبيعية، واستكانت لخطاب وتدخل الجيش في الحياة السياسية، وسيطرته على المشهد السياسي، واستعماله لخطاب تعبوي عدائي وتصفوي، وبعضها الآخر انسحب من الميدان أو صمت ويصمت على ما يجري، بل إننا خسرنا الوحدة الوطنية وهي أساس كل ثورة، وأهم عنصر من عناصر قوة الثورة المصرية، ومصدر نجاحها وسلميتها وإبداعها.
وبعد أسبوعين من مئات القتلى، التي ترفض قوات الأمن المصرية والداخلية وحتى وزارة الصحة إحصاء عددها الرسمي، بدأت مبادرات –بالذات من قبل قوى مدنية- تطالب أو لنقل تصرح بضرورة الحوار الوطني، لكنها مبادرات تتعامى عن استمرار الخروقات الأمنية والسياسية بحق المصريين المؤيدين للإخوان أو المؤيدين لاستمرار حكم محمد مرسي ، أو حتى أولئك الذين تجروأ بنقد عزله عن الحكم، وتتعامى عن خطاب تعبوي تحريضي تجاه أولئك الذين من المفروض أن يتم الحوار معهم، وتتعامى عن حقيقة أن القائد العام للقوات المسلحة هو من يدير الدفة في مصر، معلنا حالة الطوارئ التي تجيز له صلاحيات واسعة.
وفقا للمعلومات المتداولة إعلاميا، فإنه من الصعب أن نحكم فيما إذا خطط السيسي لتدخل الجيش، وهو الذي صرح قبل ثمانية أشهر أن "استمرار الصراع السياسي قد يؤدى إلى إنهيار الدولة"، مؤشرا بذلك على عدم استبعاد سيناريو التدخل العسكري، لكن مما لا شك فيه، أن الجيش المصري لم يكن ليتدخل لولا أنه قرأ ما لم يقرأه نظام مرسي، وهو رفض قوى واسعة مما شاركت في الثورة، لحكم مرسي، واستعداد القوى السياسية الأخرى لتقديم الولاء للجيش لاسترداد فرصة أخرى للحكم، وعدم استغلال قوى الثورة الشبابية لسنتي الثورة باتجاه تنظيم نفسها، وفرض نفسها على المشهد السياسي.
كما أن الجيش قرأ أمرا آخر، يعرفه نظام مرسي، وهو أن مرسي نفسه أعفى الجيش والقوات الأمنية من عملية الاقتصاص منها، بل إن الرئيس المعزول أظهر في تصريحاته دعمًا غير محدود للجيش، وقام بترقية عدة جنرالات، رغم إدانة تقرير لجنة تقصي الحقائق للمؤسسة العسكرية، وكشفه لتورط الجيش في قتل وتعذيب وإخفاء المتظاهرين.
كما أعفى مرسي نفسه من مطالب شعبية تتعلق فيما سمي ب"العدالة الانتقالية" التي كان من شأنها أن تحاسب قوات الأمن وأجهزة الدولة سياسيا وجنائيا على اعتداءاتها وقتلها للثوار منذ اندلاع الثورة. بالإضافة لذلك، اختار نظام مرسي عدم الصدام مع دولة مبارك القوية، وذلك بهدف ترسيخ نظام حكمهم، فيما اختارت المعارضة أيضا عدم الصدام مع الدولة القديمة-المستمرة وذلك بهدف زعزعة نظام الأخوان.
ووقع مرسي، كما شعبه، ضحية مهادنته لانتهاكات قوى الأمن، وقد تكون محاولة إخفائه لتقرير تقصي الحقائق، فيما يتعلق بقتل الثوار، والناتج عن لجنة شكلها بنفسه في أيار 2012، والذي كشف عن "تواطؤ بين قوات الأمن، والجيش، والبلطجية" خلال ملاحقة الثوار والمتظاهرين عام 2012، دليلا على إصراره على عدم إثارة حفيظة الجيش وقوى الأمن ضده، وعلى إعفاء النظام القديم من جرائمه، بل وحتى على استخدام أدوات النظام القديم.
وقد نتج عن إخفاء التحقيق، وعدم متابعة التحقيقات التي أوصى التقرير باستكمالها، ليس فقط ما وصف ببراءات بالجملة لكبار قادة الشرطة وقوى الأمن والداخلية، بل إنه قطع الطريق أمام إعادة بناء تلك الأجهزة بروح وقيم مطالب الثورة، بما فيها وزارة الداخلية التي لم تنفذ أحكاما بالسجن ضد بعض المسؤولين الأمنيين رغم صدور أحكام قضائية بذلك، وبما فيها الجهاز القضائي والنيابة العامة.
أهمية العودة إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق لأحداث 2011، كالوثيقة الوحيدة التي تتحدث عن جرائم الدولة تجاه الثوار، والإصرار على تشكيل لحنة حقائق نزيهة ومهنية للتحقيق في جرائم 2013، والتحقيق مع القيادات العليا للقوات المسلحة، هي ليست أهمية تقنية، فبالإضافة إلى الأهمية الثورية لإعادة تنظيف أجهزة القمع، التي ما زالت تنكر جرائم قتل الثوار، يصلح الالتفاف على هذا المطلب المتفق عليه، لإعادة الاصطفاف الثوري الطبيعي، ما بين القوى السياسية وما بين أجهزة النظام القديم، ولا يمكن الحديث عن حوار وطني، في ظل أزمة الثقة الحالية، التي تخون الإخوان وتعاملهم كخلايا إرهابية، دون تقديم الدلائل وإجراء التحقيقات اللازمة لتهم خطيرة مثل هذه.
ومن شأن إلقاء الضوء على أدلة وجود البلطجية المأجورين من قبل الجيش أو بقايا النظام القديم، وعلى حقيقة تعامل قوى الأمن المتواطئ معها، أن يهز الخطاب الحالي لقوات الجيش، التي أسست عنفها في فض اعتصامي رابعة والنهضة على خطاب وهمي مفاده أنها بصدد تجمع إرهابي يتضمن خلايا إرهابية مزودة بالأسلحة الثقيلة وهدفها تدمير الدولة المصرية!
ومن شأن إصرار قوى الشباب على التحقيق فيما جرى بعد 30 يوليو على فضح الدور التحريضي الذي قامت به القوى الأمنية ضد حركة سياسية شرعية، تم عزل رئيسها من قبل الجيش وبدعم من قوى شعبية واسعة، لم تذوت في جزء عريض منها أهداف وقيم الثورة.
يبقى أن نقول أن المعلومات والتحقيقات ستأخذ وقتا طويلا، وأنه ليس بمقدورها لوحدها أن تواجه مشاعر الشيطنة والكره العميقة في الشارع المصري ضد الإخوان المسلمين، ولا أدري حقيقة مدى انتشار خطاب الكراهية هذا، لكن المعلومات وحدها لن تستطيع محاربته، وعلى القوى الثورية الشابة أن تعرف أن قبولها بهامشيتها في الظرف الحالي، أو تبني خطاب الغرائز السياسية سيستأصل الثورة، ولن يستأصل قوى سياسية بعينها.
ليس فقط أن بعض القوى الثورية حادت عن مهامها الطبيعية، واستكانت لخطاب وتدخل الجيش في الحياة السياسية، وسيطرته على المشهد السياسي، واستعماله لخطاب تعبوي عدائي وتصفوي، وبعضها الآخر انسحب من الميدان أو صمت ويصمت على ما يجري، بل إننا خسرنا الوحدة الوطنية وهي أساس كل ثورة، وأهم عنصر من عناصر قوة الثورة المصرية، ومصدر نجاحها وسلميتها وإبداعها.
وبعد أسبوعين من مئات القتلى، التي ترفض قوات الأمن المصرية والداخلية وحتى وزارة الصحة إحصاء عددها الرسمي، بدأت مبادرات –بالذات من قبل قوى مدنية- تطالب أو لنقل تصرح بضرورة الحوار الوطني، لكنها مبادرات تتعامى عن استمرار الخروقات الأمنية والسياسية بحق المصريين المؤيدين للإخوان أو المؤيدين لاستمرار حكم محمد مرسي ، أو حتى أولئك الذين تجروأ بنقد عزله عن الحكم، وتتعامى عن خطاب تعبوي تحريضي تجاه أولئك الذين من المفروض أن يتم الحوار معهم، وتتعامى عن حقيقة أن القائد العام للقوات المسلحة هو من يدير الدفة في مصر، معلنا حالة الطوارئ التي تجيز له صلاحيات واسعة.
وفقا للمعلومات المتداولة إعلاميا، فإنه من الصعب أن نحكم فيما إذا خطط السيسي لتدخل الجيش، وهو الذي صرح قبل ثمانية أشهر أن "استمرار الصراع السياسي قد يؤدى إلى إنهيار الدولة"، مؤشرا بذلك على عدم استبعاد سيناريو التدخل العسكري، لكن مما لا شك فيه، أن الجيش المصري لم يكن ليتدخل لولا أنه قرأ ما لم يقرأه نظام مرسي، وهو رفض قوى واسعة مما شاركت في الثورة، لحكم مرسي، واستعداد القوى السياسية الأخرى لتقديم الولاء للجيش لاسترداد فرصة أخرى للحكم، وعدم استغلال قوى الثورة الشبابية لسنتي الثورة باتجاه تنظيم نفسها، وفرض نفسها على المشهد السياسي.
كما أن الجيش قرأ أمرا آخر، يعرفه نظام مرسي، وهو أن مرسي نفسه أعفى الجيش والقوات الأمنية من عملية الاقتصاص منها، بل إن الرئيس المعزول أظهر في تصريحاته دعمًا غير محدود للجيش، وقام بترقية عدة جنرالات، رغم إدانة تقرير لجنة تقصي الحقائق للمؤسسة العسكرية، وكشفه لتورط الجيش في قتل وتعذيب وإخفاء المتظاهرين.
كما أعفى مرسي نفسه من مطالب شعبية تتعلق فيما سمي ب"العدالة الانتقالية" التي كان من شأنها أن تحاسب قوات الأمن وأجهزة الدولة سياسيا وجنائيا على اعتداءاتها وقتلها للثوار منذ اندلاع الثورة. بالإضافة لذلك، اختار نظام مرسي عدم الصدام مع دولة مبارك القوية، وذلك بهدف ترسيخ نظام حكمهم، فيما اختارت المعارضة أيضا عدم الصدام مع الدولة القديمة-المستمرة وذلك بهدف زعزعة نظام الأخوان.
ووقع مرسي، كما شعبه، ضحية مهادنته لانتهاكات قوى الأمن، وقد تكون محاولة إخفائه لتقرير تقصي الحقائق، فيما يتعلق بقتل الثوار، والناتج عن لجنة شكلها بنفسه في أيار 2012، والذي كشف عن "تواطؤ بين قوات الأمن، والجيش، والبلطجية" خلال ملاحقة الثوار والمتظاهرين عام 2012، دليلا على إصراره على عدم إثارة حفيظة الجيش وقوى الأمن ضده، وعلى إعفاء النظام القديم من جرائمه، بل وحتى على استخدام أدوات النظام القديم.
وقد نتج عن إخفاء التحقيق، وعدم متابعة التحقيقات التي أوصى التقرير باستكمالها، ليس فقط ما وصف ببراءات بالجملة لكبار قادة الشرطة وقوى الأمن والداخلية، بل إنه قطع الطريق أمام إعادة بناء تلك الأجهزة بروح وقيم مطالب الثورة، بما فيها وزارة الداخلية التي لم تنفذ أحكاما بالسجن ضد بعض المسؤولين الأمنيين رغم صدور أحكام قضائية بذلك، وبما فيها الجهاز القضائي والنيابة العامة.
أهمية العودة إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق لأحداث 2011، كالوثيقة الوحيدة التي تتحدث عن جرائم الدولة تجاه الثوار، والإصرار على تشكيل لحنة حقائق نزيهة ومهنية للتحقيق في جرائم 2013، والتحقيق مع القيادات العليا للقوات المسلحة، هي ليست أهمية تقنية، فبالإضافة إلى الأهمية الثورية لإعادة تنظيف أجهزة القمع، التي ما زالت تنكر جرائم قتل الثوار، يصلح الالتفاف على هذا المطلب المتفق عليه، لإعادة الاصطفاف الثوري الطبيعي، ما بين القوى السياسية وما بين أجهزة النظام القديم، ولا يمكن الحديث عن حوار وطني، في ظل أزمة الثقة الحالية، التي تخون الإخوان وتعاملهم كخلايا إرهابية، دون تقديم الدلائل وإجراء التحقيقات اللازمة لتهم خطيرة مثل هذه.
ومن شأن إلقاء الضوء على أدلة وجود البلطجية المأجورين من قبل الجيش أو بقايا النظام القديم، وعلى حقيقة تعامل قوى الأمن المتواطئ معها، أن يهز الخطاب الحالي لقوات الجيش، التي أسست عنفها في فض اعتصامي رابعة والنهضة على خطاب وهمي مفاده أنها بصدد تجمع إرهابي يتضمن خلايا إرهابية مزودة بالأسلحة الثقيلة وهدفها تدمير الدولة المصرية!
ومن شأن إصرار قوى الشباب على التحقيق فيما جرى بعد 30 يوليو على فضح الدور التحريضي الذي قامت به القوى الأمنية ضد حركة سياسية شرعية، تم عزل رئيسها من قبل الجيش وبدعم من قوى شعبية واسعة، لم تذوت في جزء عريض منها أهداف وقيم الثورة.
يبقى أن نقول أن المعلومات والتحقيقات ستأخذ وقتا طويلا، وأنه ليس بمقدورها لوحدها أن تواجه مشاعر الشيطنة والكره العميقة في الشارع المصري ضد الإخوان المسلمين، ولا أدري حقيقة مدى انتشار خطاب الكراهية هذا، لكن المعلومات وحدها لن تستطيع محاربته، وعلى القوى الثورية الشابة أن تعرف أن قبولها بهامشيتها في الظرف الحالي، أو تبني خطاب الغرائز السياسية سيستأصل الثورة، ولن يستأصل قوى سياسية بعينها.
No comments:
Post a Comment