غازي دحمان
Link
خريطة التفاهمات التي نسجها قاسم سليماني قائدالحرس الثوري الإيراني في زياراته الأخيرة إلى موسكوبدأت تتكشف تفاصيلها ومفاعيلها، إقامة مركز للتنسيق في بغداد لإدارة الحشود البرية التي ستنطلق من العراق ولبنان تحت غطاء جوي روسي يمهد لتدمير بنية الفصائل المعارضة وتشتيتها تحت زخم نيراني كثيف يضعها في حال من الفوضى والارتباك ما يسهل بالتالي تفكيكها نهائيا وتهجير البيئة الحاضنة لها.
هذه العملية تشبه تلك التي حصلت في منطقة القصير قبل عامين، ولكن بشكل موسع وبأهداف أبعد مدى خاصة على المستوى الإقليمي من خلال دفع الأطراف الإقليمية الداعمة لهذه التشكيلات إلى الانكفاء وكسر إرادة الصراع لديها.
هذه العملية تشبه تلك التي حصلت في منطقة القصير قبل عامين، ولكن بشكل موسع وبأهداف أبعد مدى خاصة على المستوى الإقليمي من خلال دفع الأطراف الإقليمية الداعمة لهذه التشكيلات إلى الانكفاء وكسر إرادة الصراع لديها.
"حين أدركت إيران وأذرعها أن التحدي بات أكبر من قدرتهم على فعل شيء، كان لا بد لها من تغيير المعادلة بإضافة فاعلين جدد، ذلك أن الطرف الداعم للجبهة المقابلة قد قرر حسم المعركة والتفلت من قواعد الإشتباك التي فرضتها إدارة أوباما ردحا من الزمن للحفاظ على التوازنات"
هل هذه هي المفاجأة التي كان سليماني قد وعد بها العالم قبل أشهر من على شرفة جبل العلويين المطلة على سهل الغاب حينما كان "جيش الفتح" يعبر مدينة جسر الشغورصوب سهل الغاب؟ حين أدركت إيران وأذرعها أن التحدي بات أكبر من قدرتهم على فعل شيء، كان لا بد لها من تغيير المعادلة بإضافة فاعلين جدد، ذلك أن الطرف الداعم للجبهة المقابلة قد قرر حسم المعركة والتفلت من قواعد الاشتباك التي فرضتها إدارة أوباما ردحا من الزمن للحفاظ على التوازنات.
وفي المعطيات أن سليماني -وعلى وقع تلك المتغيرات الجريئة- ذهب إلى موسكو ووضع قيادتها في صورة الوضع الميداني طالبا منهم الانتقال من خانة الدعم الدبلوماسي والتسليحي إلى العمل الميداني المباشر إذا كانوا يرغبون بالحفاظ على نفوذهم فيسوريا، مما دفع بوتين إلى طلب تقدير موقف من قياداته العسكرية التي أخبرته أن التوازنات التي كانت قائمة على الأرض قد اهتزت، وأن البنى الرديفة التي جرت صناعتها لدعم الجيش من مليشيات محلية وطائفية عاجزة عن تقديم أي دعم حقيقي، أما البدائل التي قدمتها فتمثلت باقتحام المشهد السوري وبقوة وفي فترة زمنية محدودة.
تزامن ذلك مع إعلان تركيا نيتها إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا وسماحها للقوات الأميركية باستخدام قاعدة" أنجرليك" ومع إصرار سعودي على إخراج الأسد من أي ترتيبات مستقبلية تخص سوريا، وهذان متغيران خطيران في حسابات الكرملين من شأنهما إحداث تغيرات مفاجئة تخرج روسيا نهائيا من خانة اللاعبين المؤثرين، ليس في سوريا وحسب، بل وفي الكثير من ساحات المساومة الدولية، عبر إسقاط الرهانات التي بنتها روسيا طويلا على بقاء الأسد في السلطة واستمرار جذوة الصراع مشتعلة، وبالتالي دوام حاجة الأطراف الإقليمية والدولية لدورها في إمكانية حل النزاع، في ظل ثبوت عدم جدية إدارة أوباما في التحرك لحل الأزمة أو بلغة أدق عجزها عن اجتراح مقاربة سياسية تنهي فصول النكبة السورية.
وفق ذلك يمكن تقدير أهداف الحرب الروسية في سوريا بأنها ضربة استباقية لإحباط الترتيبات التي يعتقد أن بعض القوى الإقليمية بدأت تجهز لها في الميدان السوري، كما تهدف تلك الضربة أيضا إلى تثبيت وجود روسيا على خريطة القوة الدولية، وتبعث برسالة للقوى الإقليمية والدولية مفادها أنها لن تسمح لأحد بسحب البساط من تحت أرجلها، وهي التي تعد الورقة السورية بوابتها لإعادة الاندماج في البيئة الدولية إثر ما تعرضت له من عزل جراء احتلالها للقرم وبوابتها لاستعادة عافيتها الاقتصادية التي تراجعت كثيرا بعد العقوبات الاقتصادية والانخفاض الحاد في أسعار النفط.
هذا فضلا عن مطامعها الجيوسياسية المتمثلة في احتكار السيطرة على الساحل السوري الذي يضمن لها تواجدا ثابتا في البحر الأبيض المتوسط الذي يبدو أنه دخل بقوة في الحسابات الاستراتيجية الروسية بعد نية أميركا التوجه صوب المحيط الهادي.
وفق ذلك يمكن رسم خريطة التحرك الروسي في سوريا ومعرفة حدودها ومداها، ما لم تحصل تغيرات مفاجئة وتطورات دراماتيكية حادة، وقد صرح بوتين نفسه بأن العملية ستكون ضمن أطر ونطاقات معينة، وغالبا ستنحصر في المناطق المحيطة بالساحل السوري، أرياف حمص وحماة وإدلب.
ومن المتوقع أن يستغل بوتين ورقة الأقليات إذا اشتد النكير المحلي والدولي عليه، أو إذا ارتكبت طائراته مذابح في صفوف المدنيين، فحينها سيعلن للملأ أنه يعمل على حماية الأقليات الدينية التي باتت تتجمع في هذه المنطقة حصرا، وتحديدا الأقلية المسيحية، ويبدو من خلال تأييد الكنيسة الأرثوذكسية بقوة لحرب بوتين دخول هذا العامل ضمن الحسابات الروسية، إضافة لذلك يعتبر بوتين أن حربه في هذه المنطقة شرعية لدفاعه عن القاعدة الروسية في طرطوس والموجودة بناء على اتفاق مع الدولة السورية، شأنها شأن القواعد الأميركية في دول المنطقة.
كما أنه الواضح، سواء من حجم الاستعدادات اللوجستية أو الاستعجال الروسي في شن الضربات، أن عامل الوقت مهم لدى القيادة الروسية، ذلك أنها تتحسب أن طول الوقت قد يؤدي بالأطراف والقوى الإقليمية إلى إنتاج استراتيجيات مواجهة تؤدي إلى إغراق روسيا في وحل الأزمة واستنزافها، وهو ما لا ترغب به موسكو.
كما أن قصر وقت العملية ينطوي على فرص أسهل في إصلاح الأعطاب التي قد تحصل في قنوات التواصل مع تلك القوى، فروسيا تراهن من عمليتها في سوريا على فرض وقائع معينة في سياق الحدث السوري ومن ثم التفاوض عليها، حتى لو أدت المفاوضات إلى تنازلات مشتركة من قبلها وقبل الأطراف المواجهة لها، لكن حينها تكون قد فرضت نفسها لاعبا مقررا في سوريا وعلى مستوى النظام الإقليمي الذي بدأ في التشكل.
على ذلك يمكن وصف العملية الروسية بأنها عملية جراحية موضعية محددة المكان والزمان تحقق جملة من الأهداف السياسية، ويكون نتيجتها إمساك روسيا بدفة إدارة الصراع في سوريا وتوجيهه بما يناسب المصالح الروسية الاستراتيجية والأمنية ودون توريطها في صراعات بعيدة المدى.
تزامن ذلك مع إعلان تركيا نيتها إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا وسماحها للقوات الأميركية باستخدام قاعدة" أنجرليك" ومع إصرار سعودي على إخراج الأسد من أي ترتيبات مستقبلية تخص سوريا، وهذان متغيران خطيران في حسابات الكرملين من شأنهما إحداث تغيرات مفاجئة تخرج روسيا نهائيا من خانة اللاعبين المؤثرين، ليس في سوريا وحسب، بل وفي الكثير من ساحات المساومة الدولية، عبر إسقاط الرهانات التي بنتها روسيا طويلا على بقاء الأسد في السلطة واستمرار جذوة الصراع مشتعلة، وبالتالي دوام حاجة الأطراف الإقليمية والدولية لدورها في إمكانية حل النزاع، في ظل ثبوت عدم جدية إدارة أوباما في التحرك لحل الأزمة أو بلغة أدق عجزها عن اجتراح مقاربة سياسية تنهي فصول النكبة السورية.
وفق ذلك يمكن تقدير أهداف الحرب الروسية في سوريا بأنها ضربة استباقية لإحباط الترتيبات التي يعتقد أن بعض القوى الإقليمية بدأت تجهز لها في الميدان السوري، كما تهدف تلك الضربة أيضا إلى تثبيت وجود روسيا على خريطة القوة الدولية، وتبعث برسالة للقوى الإقليمية والدولية مفادها أنها لن تسمح لأحد بسحب البساط من تحت أرجلها، وهي التي تعد الورقة السورية بوابتها لإعادة الاندماج في البيئة الدولية إثر ما تعرضت له من عزل جراء احتلالها للقرم وبوابتها لاستعادة عافيتها الاقتصادية التي تراجعت كثيرا بعد العقوبات الاقتصادية والانخفاض الحاد في أسعار النفط.
"تسعى روسيا عبر ضربة استباقية لإحباط الترتيبات التي يعتقد أن بعض القوى الإقليمية بدأت تجهز لها، كما تهدف أيضا لتثبيت وجودها على خريطة القوة الدولية، وبعث رسالة للقوى الإقليمية والدولية مفادها أنها لن تسمح لأحد بسحب البساط من تحت أرجلها"
وفق ذلك يمكن رسم خريطة التحرك الروسي في سوريا ومعرفة حدودها ومداها، ما لم تحصل تغيرات مفاجئة وتطورات دراماتيكية حادة، وقد صرح بوتين نفسه بأن العملية ستكون ضمن أطر ونطاقات معينة، وغالبا ستنحصر في المناطق المحيطة بالساحل السوري، أرياف حمص وحماة وإدلب.
ومن المتوقع أن يستغل بوتين ورقة الأقليات إذا اشتد النكير المحلي والدولي عليه، أو إذا ارتكبت طائراته مذابح في صفوف المدنيين، فحينها سيعلن للملأ أنه يعمل على حماية الأقليات الدينية التي باتت تتجمع في هذه المنطقة حصرا، وتحديدا الأقلية المسيحية، ويبدو من خلال تأييد الكنيسة الأرثوذكسية بقوة لحرب بوتين دخول هذا العامل ضمن الحسابات الروسية، إضافة لذلك يعتبر بوتين أن حربه في هذه المنطقة شرعية لدفاعه عن القاعدة الروسية في طرطوس والموجودة بناء على اتفاق مع الدولة السورية، شأنها شأن القواعد الأميركية في دول المنطقة.
كما أنه الواضح، سواء من حجم الاستعدادات اللوجستية أو الاستعجال الروسي في شن الضربات، أن عامل الوقت مهم لدى القيادة الروسية، ذلك أنها تتحسب أن طول الوقت قد يؤدي بالأطراف والقوى الإقليمية إلى إنتاج استراتيجيات مواجهة تؤدي إلى إغراق روسيا في وحل الأزمة واستنزافها، وهو ما لا ترغب به موسكو.
كما أن قصر وقت العملية ينطوي على فرص أسهل في إصلاح الأعطاب التي قد تحصل في قنوات التواصل مع تلك القوى، فروسيا تراهن من عمليتها في سوريا على فرض وقائع معينة في سياق الحدث السوري ومن ثم التفاوض عليها، حتى لو أدت المفاوضات إلى تنازلات مشتركة من قبلها وقبل الأطراف المواجهة لها، لكن حينها تكون قد فرضت نفسها لاعبا مقررا في سوريا وعلى مستوى النظام الإقليمي الذي بدأ في التشكل.
على ذلك يمكن وصف العملية الروسية بأنها عملية جراحية موضعية محددة المكان والزمان تحقق جملة من الأهداف السياسية، ويكون نتيجتها إمساك روسيا بدفة إدارة الصراع في سوريا وتوجيهه بما يناسب المصالح الروسية الاستراتيجية والأمنية ودون توريطها في صراعات بعيدة المدى.
لكن السؤال المنطقي إلى أي مدى تتطابق حسابات ورهانات روسيا مع الواقع، خاصة أنها تواجه أطرافا لها حساباتها ورهاناتها في سوريا؟ وهل تستطيع روسيا بناء عملية تفاوضية عند اللحظة التي تعتقد فيها أن وضعيتها صارت ملائمة؟ وكيف تستطيع روسيا نزع تهمة عدم اصطفافها مع طرف دون آخر في صراع يغلب عليه الطابع المذهبي؟ هي الخيارات والبدائل في حال خرجت الأمور عن سياق تصوراتها لإدارة الأزمة وإيصالها إلى حيث تحافظ على مصالحها وتحقق الجدوى المطلوبة من تحركها العسكري؟"في تاريخ الصراعات، تكون اللحظة الأسهل دائما هي لحظة اتخاذ قرار الانخراط فيها، ثم بعد ذلك ونتيجة التداعيات والارتدادات تصبح المسألة معقدة لدرجة أن إمكانية اختيار لحظة الانسحاب تصبح خارج قدرة الطرف أو الأطراف المتورطة"
في تاريخ الصراعات، تكون اللحظة الأسهل دائما هي لحظة اتخاذ قرار الانخراط فيها، ثم بعد ذلك ونتيجة التداعيات والارتدادات تصبح المسألة معقدة لدرجة أن إمكانية اختيار لحظة الانسحاب تصبح خارج قدرة الطرف أو الأطراف المتورطة.
ومن الواضح أن الكرملين اتخذ قرار الدخول في الحرب السورية تحت تأثير عاملين ينطويان على تضليل كبير؛ الأول اعتقاد روسيا أن انخراطها في الأزمة السورية يشكل فرصة سهلة للتخلص من تداعيات الأزمة الأوكرانية، وبالتالي اللجوء إلى أزمة للتخلص من أزمة. والثاني: تصوير إيران لروسيا أنها ستتولى القسم الأكبر من المهمة وستكون نتيجتها كما وعد قاسم سليماني مفاجأة تذهل العالم، أي تحطيم كامل لبنية فصائل المعارضة من خلال عملية مفاجئة؟.
ولكن ماذا لو مضى الوقت سريعا قبل أن تكمل الطائرات الروسية استهداف بنك أهدافها واستطاعت الفصائل المعارضة امتصاص الصدمة والتكيف مع المستجدات الميدانية وعكس الهجوم؟
الأرجح، ومن خلال التجربة السورية أن ذلك قابل للحصول بدرجة كبيرة، خاصة وأن الأطراف الإقليمية الداعمة للثوار لن تقبل بأي شكل أن تفرض روسيا رؤيتها للحل، وحينها تكون روسيا قد غرقت في المستنقع السوري ولن تتمكن من الانسحاب بسهولة لأن خسارتها في سوريا ستعني خسارتها في كل الملفات الأخرى، هي إذن مغامرة ولعبة روليت روسية يلعبها القيصر بمزيج من النزق والتذاكي.
No comments:
Post a Comment