Wednesday, April 6, 2016

حراك شعبي مستمر

سلامة كيلة
حراك شعبي مستمر
Link

لا يزال الجدال مستمراً حول أسباب الثورات في البلدان العربية، ولا زالت النخب تعتبر أن السبب الجوهري هو الحرية، بمعناها المتعلق بتحقيق الدمقرطة. وفي هذا السياق، يجري اعتبار تونس المثال على "نجاح" المسار الديمقراطي، حيث جرت انتخابات، وتشكل "نظام جديد" مستقر.
لكن الملاحظ أن حركات الاحتجاج مستمرة، وأن الذين صنعوا الثورة من المفقرين من طبقاتٍ شتى لا زالوا يقاومون من أجل تحقيق مطالبهم. حيث أن كل "التغيرات" في الشكل السياسي للنظام، سواء ما جرى اعتبارها ناجحة (كما تونس) أو فاشلة (كما مصر) لم تقنع هؤلاء بأنهم حقّقوا ما ثاروا من أجله. وهذا يبرز الأساس الذي أنتج الثورات، كما يبرز أن الثورات لم تنتصر بعد، على الرغم من التغيير الذي حدث في شكل النظم. فقد تلونت النظم، واتخذ بعضها مظهراً ديمقراطياً، لكن ذلك كله لم يلامس مشكلات الطبقات الشعبية التي فرض عليها وضعها المزري أن تثور من أجل عيشٍ أفضل. ولهذا، لم تحسّ هي بأن ما جرى حقّق ما طالبت به، أو حتى بعض ما طالبت به. لهذا، لا زالت مستمرة في الاحتجاج. خصوصاً وأن السياسات الاقتصادية التي اتبعتها النظم أدت إلى زيادة أزمة هذه الطبقات، حيث أن الطبقة المسيطرة لا زالت تزيد في النهب. وبدل تخفيف الأعباء على الطبقات الشعبية، زادت منها، من خلال زيادة الأسعار، والإيغال في الخصخصة، حتى بما هو أساسيّ لهذه الطبقات، مثل التعليم والصحة والماء والكهرباء والطرق وغيرها. بالتالي، في الوقت الذي لم تحلّ فيه أزمة البطالة وتدني الأجور، زادت الأسعار.
لهذا وجدنا أن الاحتجاجات في تونس تتصاعد، سواء من المعطلين، أو قطاعات العمال المفقرة. الاعتصامات مستمرة، وحركة الإضرابات كذلك من بنقردان إلى الدهماني. وفي مصر تتزايد الإضرابات العمالية، والاحتجاجات التي حاولت الرأسمالية تسميتها "فئوية"، على الرغم من أنها تخص طبقات شعبية. وكل التوقعات من مقربي السلطة تقول بانفجار قادم. ويبدو أن المغرب على شفير انفجار اجتماعي، بعد حركات الاحتجاج القائمة والمستمرة. وشهد العراق تحركاتٍ كبيرة ضد الفساد، وخصوصاً ضد العملية السياسية والسيطرة الإيرانية على الدولة، على الرغم من أن العراق يعيش حالة حربٍ، تحت مسمى الحرب ضد داعش. وشهد لبنان تحركاً ضد "الزبالة" والفساد. وفي الأردن، هناك تحركات طلابية وحالات احتجاج.


المعنى أن المخاض الذي فرض انفجار الثورات العربية لا زال يعتمر في وسط الطبقات الشعبية. وأن الاحتقان الذي لم ينته بعد الثورات يتصاعد من جديد، خصوصاً مع اللبرلة المتوحشة التي لا زالت مستمرة، والتي يبدو أن المافيا الحاكمة غير قادرة على التخلي عنها، نتيجة حاجة الطغم الإمبريالية إلى استمرار التراكم المتسارع والمتصاعد، وهو القانون الذي بات يحكم نشاطها. فالنهب هو العملية الاقتصادية المركزية في التكوين الرأسمالي القائم، عالمياً ومحلياً. وهو يفترض زيادة النهب إلى حدّ تجريف المجتمعات. وهو الأمر الذي يعني أن المسار هو نحو مركز معظم الثروة العالمية بيد عدد محدود من البشر (من الأشخاص تحديداً). بالتالي، ستكون ردود فعل الشعوب هي الثورة، والاستمرار في الثورة، حيث لا يُعقل أن تُدفع هذه الشعوب إلى الفقر المدقع، وأن تبقى من دون عمل، وتبقى من دون أن تثور على كل القوانين التي فرضتها الرأسمالية، وعلى النظام الرأسمالي نفسه.


السياسة الطبقية التي تستخدمها الطبقات المسيطرة هي "الحرب على الإرهاب"، بالضبط من أجل توجيه الصراع نحو عدو وهمي من جهة، وبالتالي، دفع النخب لكي تلتف حول النظم. ومن جهة أخرى، استخدام كل أشكال العنف ضد الحراك المجتمعي تحت حجة الحرب على الإرهاب. على الرغم من أن الإرهاب صناعة.


أولاً، يتضح أكثر أن الظروف المجتمعية هي التي تدفع إلى الاحتجاج والثورة. وثانياً، سيكون مسار الثورة مستمراً إلى أن يتحقق التغيير الجذري في التكوين الاقتصادي السياسي. هذا ببساطة هو الوضع. 


No comments: