Link
تتواصل حفلة رقص صاخبة في إسرائيل، على دماء الفتى الفلسطيني عبد الفتاح الشريف الذي أعدمه أحد جنود الاحتلال في الخليل، قبل عشرة أيام، بدم بارد. فوزراء ونواب وحاخامات وشخصيات عامة انبرت للدفاع عن الجندي، وطالبت بعدم مساءلته باعتباره "بطلاً قومياً". وقد أضفى النقاش الإسرائيلي العام حول هذه الجريمة مزيداً من الشرعية على عمليات الإعدام الميدانية التي ينفذها جنود الاحتلال والمستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين، فقد دلّ استطلاع للرأي العام على أن 68% من الإسرائيليين يؤيدون إعدام الفتى الفلسطيني (هآرتس، 30-3)، في حين وقع عشرات آلاف الإسرائيليين على عريضةٍ تطالب المستوى السياسي وهيئة أركان الجيش بمنح الجندي القاتل "وسام البطولة" (معاريف، 29-3). وتنافس وزراء نتنياهو ونواب الكنيست في خلع عبارات الثناء والتقدير على منفذ الجريمة، لأنه "يعبر عن ضمير الشعب"، كما قال النائب السابق لرئيس الكنيست، الليكودي موشيه فايغلين. وكان لافتاً أنه على الرغم من أن معظم الوزراء الصهاينة قد أعلنوا تأييدهم عملية الإعدام الميدانية، فقد برزت، بشكل خاص، وزيرة الثقافة (الشرقية) الهاذية ميري ريغف بحماسها "للفعل الأكثر الأخلاقية" التي أقدم عليها الجندي.
جاءت عملية إعدام الفتى الفلسطيني الجريح نتاج تحريضٍ رسميٍّ على قتل الفلسطينيين بدم بارد. ففي مطلع مارس/ آذار الماضي، أصدر الحاخام الأكبر الشرقي لإسرائيل، إسحاك يوسيف، الذي يتربّع على رأس المؤسسة الدينية الرسمية، فتوى تلزم الجنود بقتل كل فلسطيني يحمل سكيناً، حتى ولو لم يكن يشكل خطراً عليهم. ليس هذا فحسب، بل حثَّ الحاخام يوسيف الجنود على عدم الانصياع لتعليمات قادتهم، في حال حاولوا منعهم من قتل الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن هذا الحاخام الذي حظيت فتواه بتأييدٍ واسعٍ من الجمهور الإسرائيلي، يشغل منصباً رسمياً، إلا أن أحداً من المستويات السياسية والعسكرية لم يبد أية ملاحظة على فتواه، مع أنها حرّضت الجنود على رفض الأوامر العسكرية. وقد أصدر الحاخام نفسه، مطلع الأسبوع الماضي، فتوى أخرى "تحرّم" السماح للفلسطينيين بالبقاء في "أرض إسرائيل"، وحثّ على طردهم إلى السعودية، والسماح فقط ببقاء من يخدمون اليهود. لم تقف الأمور عند حد الاحتفاء بالإعدامات الميدانية، بل تعمّد نتنياهو صب الزيت على النار، في سعيه إلى استرضاء قواعد اليمين في إسرائيل، من خلال استئناف سياسة الاحتفاظ بجثث الشهداء الفلسطينيين، وتواصل تدمير المنازل، وتوسيع سياسة تقطيع أوصال الضفة الغربية، وحظر تسويق المنتوجات الفلسطينية في القدس الشرقية، وفتح الباب على مصراعيه أمام غلاة المتطرفين الصهاينة لتدنيس المسجد الأقصى، والاستخفاف بشكلٍ فجٍّ بما تم التوافق عليه مع ملك الأردن، من خلال "أداء الصلوات التلمودية" بشكل استعراضي في محيط قبة الصخرة.
المضحك المبكي أنه، في الوقت الذي برز بشكل غير مسبوق، مدى استخفاف الصهاينة بدماء الفلسطينيين، كان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يبعث رسائل تشجع هؤلاء القتلة على مواصلة جرائمهم بحق الشعب الذي يدّعي تمثيله، فقد كان عباس، مساء الثلاثاء الماضي، يسلم رأسه بين يدي الحاخام أبراهام غولان، أحد أبرز الحاخامات الشرقيين، ويتلقى منه "التبريكات"، و"يفاجئ" النخب الإسرائيلية الشرقية التي رافقت الحاخام غولان إلى ديوان عباس، بالقول إنه يحرص يومياً على الاستماع للغناء العبري الشرقي، وأن مطربه المفضل هو موشيه إلياهو.
وإزاء حالة التغوّل الصهيوني على الشعب الفلسطيني، يرد عباس بتوثيق التعاون الأمني مع الاحتلال، فقادة الجيش الإسرائيلي يؤكدون أن التعاون الأمني الذي تبديه أجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية لم يكن، في يوم، قوياً وواسعاً في أي يوم كما هو الآن (هآرتس، 27-3). فمنذ مطلع 2015 عقد 140 لقاء تنسيقا أمنيا بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؛ منها 80 لقاء بين قادة ألوية في الجيش الإسرائيلي و"نظرائهم" في السلطة، و 60 لقاء ميدانيا، أملتها أحداث بعينها (معاريف، 26-3).
ليس الصحافي الصهيوني، يوسي ميلمان، معروفاً بـ "يساريته" المتطرفة، لكنه يصل، في تحقيق نشرته صحيفة معاريف، إلى استنتاجٍ مفاده بأن تعاون السلطة الفلسطينية الأمني مع إسرائيل يعد أهم عوامل نجاح إستراتيجية إدارة الصراع التي تتبعها حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، وتمكّنها من فرض سياسة الأمر الواقع، في أقل قدر من الأضرار.
من يمثل عباس بربّ السماء؟
No comments:
Post a Comment