بروفيسور عبد الستار قاسم
"أُشبعت المبادرة العربية تحليلا عام 2002، وقد أجمع الكتاب والمحللون القوميون والإسلاميون على أن المبادرة تجسد خيانة الأنظمة العربية التي امتدت على عشرات السنوات وقبل قيام إسرائيل. لكن يبدو أن الكثير من الناس ينسون، أو أن ذاكرتهم لا تتسع للكثير من المعلومات. أما وسائل الإعلام فغالبا ما تجري وراء الخبر دون البحث عن الحقيقة، وهي تعجز إلى حد كبير عن ربط الحاضر بالماضي، وبعضها يتعمد تزوير الحقائق أو إخفاءها.
يظن كثير من الناس الآن أن الحكام العرب عبارة عن أبطال يتمسكون بحق العودة، وأنهم لن يكترثوا لضغوط إسرائيل وأمريكا، وسيصرون على النص الحرفي للمبادرة العربية. ويظن فلسطينيون أن هذه المبادرة تتوافق مع المواقف الوطنية الفلسطينية المتمسكة بالحقوق الفلسطينية. وتعزز وسائل الإعلام هذه الظنون من خلال إبراز الاستقلالية العربية في اتخاذ القرار أعيد هنا إلى الذاكرة بعض فقرات المبادرة العربية بخاصة فيما يتعلق بحق العودة:
وانطلاقا من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الإطراف:
1- يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها وان تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضا
2- كما يطالبها القيام بما يلي :-
أ - الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية .
3-عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي :
أ - اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة .
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل .
4- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة .
5- يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعا إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقنا للدماء بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنبا إلى جنب ويوفر للاجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار .
إذا تفحصنا البند (2 ب) الخاص باللاجئين نجد أنه لا ينص على حق العودة، وهو بند ينم عن خبث الحكام العرب في القفز عن حق العودة. يضع النص أولا العبارة المذكورة في قرار مجلس الأمن 242، يفتح المجال للتفاوض من خلال عبارة "يتفق عليه"، ثم يضيف القرار 194. الذي يصر على حق العودة يقول: "يجب تطبيق القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة". أما البند الرابع فواضح فيه أن الحكام العرب يؤيدون التوطين. إذا دقق القارئ في النص يجد أن شكل التوطين المرفوض هو فقط التوطين في لبنان. أما التوطين الذي لا يتنافى والوضع الخاص للبلد المضيف فليس مرفوضا. قطعا، من صاغ هذا البند غارق في لجج الخيانة والتآمر على الفلسطينيين.
هذه النعومة الأمريكية الإسرائيلية الظاهرة الآن في التعامل مع المبادرة العربية تهدف فقط إلى تحسين صورة الزعماء العرب أمام شعوبهم. تحاول هذه النعومة تحويل القادة العرب إلى قادة غيورين وحريصين على مصلحة الأمة. لقد شهدنا هذا التلميع للزعماء العرب عام 1990/1991 تمهيدا للهجوم على الجيش العراقي في الكويت، وعام 1880/1881 تمهيدا للحرب العربية-الإيرانية. تعمل أمريكا على تحسين صورة القادة العرب في كل مرة تريد استخدامهم أو استخدام الأراضي العربية لخوض معاركها الخاصة.
غدا ستنطلق الطائرات الإسرائيلية والأمريكية من المطارات العسكرية العربية لتقصف إيران، ولا بد من استباق الأمور خوفا من رد فعل شعبي سلبي ضد المشاركة العربية في الهجوم على إيران. تحسين صورة هؤلاء القادة يخدم هذا الغرض.
هذا ولم تقل لنا الآنسة كوندو ماذا ستفعل بخريطة الطريق إذا كانت ستتبنى المبادرة العربية كأداة للدبلوماسية النشطة."
No comments:
Post a Comment