A Must Read Editorial (Arabic)
فياض واسقاط حق المقاومة
عبد الباري عطوان
"من يتابع تصريحات السيد سلام فياض رئيس وزراء حكومة الطوارئ الفلسطينية، يعتقد ان الرجل يتزعم كتلة تحتل اغلبية مقاعد المجلس التشريعي ويتزعم فصيلا هو الاكبر علي الساحة الفلسطينية وليس رئيس حكومة ما زالت تبحث عن الشرعية في المجلس المذكور الذي يمثل ثلث الشعب الفلسطيني في افضل الاحوال.
تاريخ السيد فياض في العمل السياسي الفلسطيني لا يزيد عن بضعة اعوام محدودة، بدأه عندما وقع عليه الاختيار، بحكم علاقاته الوثيقة مع واشنطن، ليكون وزيرا للمالية في اول حكومة فلسطينية تتشكل بضغوط امريكية، وتسحب الصلاحيات المالية من الرئيس الفلسطيني الراحل، كمقدمة لسحب صلاحياته الامنية، وتصفيته جسديا عقابا له علي رفضه القبول بالاملاءات الامريكية في لقاء كامب ديفيد والتنازل عن حق العودة، والقبول بسيادة سطحية في القدس الشرقية.
السيد فياض الذي يترأس حكومة فلسطينية غير شرعية، ويمثل كتلة ليس لها الا مقعد واحد في المجلس التشريعي الفلسطيني من مجموع مئة وثلاثين مقعدا، بدأ يقدم تنازلات ضخمة في قضايا جوهرية، ويصدر فتاوي جازمة حول الحوار او عدمه مع حركة المقاومة الاسلامية حماس، ويفرض شروطا تعجيزية وهو امر غير مسبوق من قبل شخص في موقعه وظروف توليه منصبه الحالي.
قبل اربعة ايام ادلي بحديث الي صحيفة اسرائيلية قلل فيه من اهمية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتجاهل كل القرارات الدولية التي تثبت هذا الحق، وخاصة قرار الامم المتحدة رقم 194، عندما قال ان قضية اللاجئين تحل من خلال التفاهم بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، والاتفاق عليها بينهما.
ويوم امس الاول ذهب السيد فياض الي ما هو ابعد من ذلك، عندما لم يشر في برنامج حكومته مطلقا، الي تعبير المقاومة في اشارة الي الكفاح ضد الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، وهو امر يتجاوز كل الاعراف المتبعة، ويخرج علي تقليد اتبعته كل الحكومات الفلسطينية السابقة، منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بناء علي اتفاقات اوسلو.
حق المقاومة من ثوابت الشعب الفلسطيني الاساسية لا يملك اي انسان اسقاطه بهذه السهولة، وبهذه الطريقة المجانية، ودون الرجوع الي الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية في الوطن والمهجر.
فاذا كان السيد فياض سيتنازل عن المقاومة، ويشطب قرارات الامم المتحدة بشأن حق العودة، ويجعل هذا الحق قضية ثنائية اسرائيلية ـ فلسطينية، او بالاحري بين حكومته والطرف الاسرائيلي، فماذا ترك للمفاوضات، ومفاوضات الوضع النهائي علي وجه التحديد؟.
نفهم مثل هذه المرونة ، لو ان السيد فياض ورئيسه الاعلي محمود عباس، يستعدان لشد الرحال الي مؤتمر دولي تتعهد فيه اسرائيل بالانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة، وازالة جميع المستوطنات، واعادة القدس بكاملها، وتقديم اعتذار ومن ثم تعويضات للشعب الفلسطيني علي كل ما الحقته به من قتل وتدمير وسلب لأراضيه وثرواته علي مدي ستين عاما، ولكن المفاوضات لم تبدأ بعد، وحكومة ايهود اولمرت تواصل بناء الجدار وتوسيع المستوطنات، والاحتفاظ بأكثر من عشرة آلاف اسير فلسطيني علي الاقل.
القضية الفلسطينية تتعرض لعملية خطف هذه الايام من قبل بعض الشخصيات الفلسطينية التي تريد تسوية مسلوقة لها وفق الشروط الامريكية والاسرائيلية، وفي اسرع وقت ممكن، مستغلة الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون من جراء عمليات التجويع المتعمدة، والحصار الخانق.
فالقضية الفلسطينية في نظر هؤلاء لم تعد قضية شعب تعرضت حقوقه واراضيه وكرامته الوطنية للاغتصاب في ابشع جرائم العصر واكثرها ظلما، وانما كقضية رواتب و معابر ، وكيفية رفع الحصار الاقتصادي، وتأمين وصول المساعدات المالية الامريكية والاوروبية.
فالحديث الآن منصب حول كيفية حل مشكلة ستة آلاف فلسطيني محصورين في الجانب المصري من معبر رفح، وتخلي حركة حماس عن اجهزة السلطة الامنية في قطاع غزة، ودفع رواتب الموظفين، او الموالين منهم للسيد عباس في موعدها، اما الجدار العنصري العازل، وبلوغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة والقدس المحتلة اكثر من نصف مليون شخص، وتحويل قطاع غزة الي سجن كبير، فهذه قضايا ثانوية لا تحتل سلم اولويات حكومة الطوارئ او تصريف الاعمال التي يترأسها السيد فياض.
نشعر ان طبخة ما يجري اعدادها حاليا من خلف ظهر الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية، احد ارهاصاتها حال الحراك الحالية التي تتمثل في زيارة وفد الجامعة العربية الي القدس المحتلة في اول خطوة تطبيعية عربية علي هذا المستوي، والجولات المكوكية لتوني بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية، والجولة التي تبدأها اليوم السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية، وروبرت غيتس وزير الدفاع الامريكي الي المنطقة، ودعوة الرئيس جورج بوش الي مؤتمر للسلام في نيويورك او واشنطن قبل نهاية هذا العام.
فالاصرار علي عدم الحوار مع حركة حماس للخروج من الأزمة الراهنة التي تشل العمل السياسي الفلسطيني، وتعمق الانقسام بين الضفة وغزة كلما طال امدها، يثير الريبة والشكوك، وكأن الرئيس عباس وشريكه الجديد فياض يشعران براحة غير عادية باستمرار الوضع علي حاله، وكأنهما ارتاحا من غزة ومتاعبها، والشراكة المكلفة مع حركة حماس ، الامر الذي يمكنهما من التحرك في اتجاه التسوية الامريكية ـ الاسرائيلية المطروحة، وبمباركة عربية رسمية، دون اي عوائق.
لا بد من تحرك فوري من جميع القوي الفلسطينية للحيلولة دون حدوث اي تفرد بهذه القضية المصيرية، ومنع اي محاولة لخطفها من قبل اناس طارئين علي العمل السياسي والنضالي الفلسطيني، والعبث بالثوابت الوطنية بمثل هذه الطريقة الارتجالية.
هناك مؤسسات وطنية جاءت نتاج تاريخ نضالي طويل، وثمرة مسيرة من التضحيات تضمنت سقوط آلاف الشهداء، ولا بد من تفعيلها علي اسس حديثة تستوعب المتغيرات الجديدة، وظهور فصائل مقاومة لها تمثيل قوي علي الساحة وبعضها يمثل نصف الشرعية الفلسطينية علي الاقل، حتي لا تترك الساحة لاجتهادات الطارئين الجدد."
No comments:
Post a Comment