سلامة كيلة
Link
جاء الطيران الروسي، وقوى برية أخرى، لكي يحارب داعش، كما كرَّر الإعلام الروسي، وإعلام النظام، لكن هذا لم يمنع صدور تصريحات عن رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، بأن التدخل يتعلق بالمصالح القومية الروسية، وأن يتسرّب عبر تصريحات متعددة أن التدخل جاء لمنع انهيار النظام في لحظةٍ، كان فيها على وشك السقوط. طبعاً، لم يظهر أن الهدف هو الحرب ضد داعش، حيث شملته غارات محدودة (طاولت المدنيين في مناطقه)، وظهرت المصالح الروسية في بناء قاعدة جوية وتوسيع القاعدة البحرية، والإتيان بقوات برية، وذلك كله لكي يتعزّز الدور الروسي في البحر المتوسط، والمنطقة العربية.
لكن، لم يفلح الطيران الروسي في تحويل "جيش" النظام وإيران وحزب الله وغيرها إلى قوة قادرة على استرداد الأرض التي خسرتها خلال هذه السنة، خصوصاً في الوسط (ريف حماة الغربي) والريف الجنوبي والشمالي لحلب وريف اللاذقية، فقد فشلت كل الهجمات، وجرى تدمير عشرات الدبابات، وقتل قادة عسكريون إيرانيون ومن حزب الله ومن النظام عديدون. بالتالي، لم تفلح الصواريخ المتطورة التي تطلقها الطائرات الروسية، أو حتى الصواريخ البالستية التي تطلق من بحر قزوين، أو من البحر المتوسط، في تغيير ميزان القوى العسكري. على العكس، تحقق تقدم للكتائب المسلحة.
ما يفلح به هذا الطيران بكل تقدمه التكنولوجي، وقوة صواريخه، هو الإبادة الجماعية. فروسيا بوتين تمارس ما مارسته في الشيشان، حيث قاد بوتين حملة شاملة من أجل سحق التمرد، ومارس كل أشكال الوحشية من أجل إخماده، إذ دمّر غروزني العاصمة لكي يحقق ذلك. وإذا كان النظام قد استفاد منه أصلاً، خصوصاً في "اكتشاف" البراميل المتفجرة، فإن الطيران الروسي يكمل الوحشية بصواريخ أكثر تطوراً، وهو يريد من ذلك تحقيق هزيمة الثورة، وفرض انتصار النظام. ولا يبدو أنه قادر على ذلك، لأن في سورية ثورة هزمت النظام، ولا يفيد كل التدخل الخارجي من أجل إنقاذه.
قصف بعض مواقع الجيش الحر. لكن، يبدو أن التركيز الأساسي للقصف يطاول المستشفيات، والمستشفيات الميدانية، والمدارس والأسواق والأحياء الشعبية. الجزء الأساسي من القصف يطاول هذه المناطق في دوما وريف دمشق وحلب وريف حمص وريف حماة وإدلب وريفها، وحتى حين يقصف مناطق داعش يقصف الأحياء والأسواق والمستشفيات، كما فعل في البوكمال. لهذا تزايدت المجازر بعد التدخل الروسي، وازداد عدد الشهداء، خصوصاً من الأطفال والنساء وكبار السن. ومن أجل ذلك، يجري استخدام الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، ويكمل النظام باستخدام البراميل المتفجرة وأسلحة محظورة.
لا شك في أن هذه جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية. وربما كان هذا هو أسلوب بوتين الذي يعتقد بأن استخدام الوحشية سوف يفرض "انهيار العدو"، ومن ثم يعلن انتصاره هو. إنه يستخدم "الصدمة والرعب"، هذا المصطلح الأميركي الذي يمارسه الروس الآن في سورية. لكن، لا يبدو أن هذه السياسة قد أدت إلى نتيجة، حيث لم تؤدِ إلى تغيير ميزان القوى على الأرض. على العكس، لا زال ميزان القوى مختلاً لمصلحة الجيش الحر.
تريد روسيا الحفاظ على بشار الأسد عبر سياسة وحشية، هي استمرار لسياسة النظام، لكي يبقى مسيطراً من دون أن ينال ذلك. ولقد استجلب قوات حزب الله والحرس الثوري والمليشيا الطائفية العراقية، ومن أفغانستان وباكستان، من دون أن يغيّر ذلك في الواقع شيئاً، الأمر الذي فرض تدخل روسيا التي تريد "أن يختار الشعب السوري" من يحكمه، وهي تحاول سند نظام يتداعى، لأن الشعب قرَّر إسقاطه.
تحاول روسيا الآن، ولسوف تصل إلى النتيجة نفسها: الفشل، على الرغم من كل الجرائم التي ترتكبها، والتي هي جرائم ضد الإنسانية، وستحاسب من الشعب التي لم ترَ إلى الآن أنه يريد إسقاط النظام. عادةً، حين تكون الإمبريالية مأزومة تمارس أقصى العنف، وترتكب الجرائم، وتقترف الإبادة الجماعية، هذا بالضبط ما تفعله روسيا في سورية.
No comments:
Post a Comment