Thursday, November 26, 2015

الأيديولوجية كجريمة

سلامة كيلة
الأيديولوجية كجريمة
Link

إذا كانت الأيديولوجية هي الوعي المطابق، أو المفارق، لمصالح الطبقات، فإن هذه المصالح يمكن أن تدفعها إلى حدّها الأقصى، بما يجعلها "أداة جريمة". هذا ما فعلته النازية والفاشية، حيث دفعت أيديولوجية التفوق العنصري إلى حدّ تبرير ارتكاب جرائم ضد البشرية. 

وإذا كانت الأيديولوجية اليسارية تُطرح خدمة لمصالح الشعوب، فإن تكلسها يفضي، أحياناً، إلى أن تتحوّل إلى "أداة" لتبرير الجرائم. أقصد بالضبط أيديولوجية اليسار العالمي الذي أسس كل منظوره على أساس طبيعة الصراع في مرحلة الحرب الباردة، ومن منظور الأولوية التي طرحتها الدولة السوفييتية. حيث انبنت على أساس ثنائية صراع إمبريالية/ اشتراكية، أو إمبريالية/ تحرر وطني، كما تكرّرت في البلدان المتخلّفة. وأصبحت الأولوية تتمركز هنا، ليتحدد الصراع الداخلي على ضوء هذا المنظور، بحيث يكون كل "متناقض" معها وطنياً، وجزءاً من "حركة التحرر الوطني"، أو من "التحالف المعادي للإمبريالية". 
ولا شك في أن الصراع، حينها، كان يتمحور ضد الإمبريالية، والأميركية خصوصاً، وكان صحيحاً مواجهة الإمبريالية، على الرغم من أن التعميم الذي يحكمها كان يوجد مشكلات كبيرة في الصراع الداخلي، سواء في تحديد الطبقات التي هي في تناقض حقيقي مع الإمبريالية، أو في قيادة التحالف ضد الإمبريالية، أو كذلك في الأولويات، بعد أن بات "الصراع مع الإمبريالية" الأولوية، وهو ما ألغى التناقض الطبقي الداخلي الذي هو، حسب الماركسية، التناقض الرئيسي (والتناقض مع النمط الرأسمالي ككل هو التناقض الأساسي). 
كان هذا الخلل يؤسس لمنظور "وطني"، وظل الشعار العام هو التحرر الوطني، بعد أن استقلت الدول، وبات الربط الاقتصادي الطبقي العنصر المركزي في تكييف المحلي، لمصلحة الطغم الإمبريالية. وبهذا، أدى تضخم "الوطنية" إلى اعتبار "الصراع ضد الإمبريالية" هو المطلق، كل شيء، وهو الذي يحدِّد كل المواقف والسياسات والتكتيكات. بالتالي، أصبح الوطن فوق المواطنين، وبات "الدفاع عن الوطن" أهم من سحق الشعب، ويبرّر سحق الشعب. بات الوطن أقنوماً بالغ التجريد والقدسية. والوطن يُختزل في السلطة (الدولة) التي تكون في "تناقض" مع الإمبريالية، أو هكذا يجري التوهم. لهذا، تصبح السلطة القوة الثورية التقدمية، المقدس الذي يمثله الوطن، ويكون الشعب لا شيء. 


الوطن مقدّس، إذن، الشعب لا شيء. ولأن السلطة هي الوطن، من حقها ممارسة كل أشكال العنف ضد الشعب، خصوصاً إذا تمرّد عليها، فهي "المعادية للإمبريالية". ولهذا، كل مخالف لها مع الإمبريالية، وهذا يبرّر سحقه. فهو يتناقض مع "السلطة المعادية للإمبريالية"، "السلطة المقدسة" بالتالي. وبهذا يستحقّ الجزاء، بما في ذلك القتل، أي الإبادة، فهو يتمرّد على سلطة "معادية للإمبريالية"، "تحمي الوطن من السيطرة الإمبريالية". 
باتت الفكرة، هنا، مطلقاً، وتعمل على تحويل ما تعتقد أنه متوافق معها إلى مطلق، والباقي هو من التراب، هو دون، لهذا يستحق السحق، يستحق الكيماوي والصواريخ البالستية والبراميل المتفجرة والحصار المميت، والقتل في السجن، والتشريد إلى أقاصي الأرض. تمرّد "على الإله" الذي هو السلطة. ومن ثم، باتت الفكرة، هنا، أساس أيديولوجية فاشية، تستسهل قتل الشعوب، وتبرّر هذا القتل بـ "أفكار سامية"، أفكار "ثورية" و"جذرية"، بالضبط لأنها "معادية للإمبريالية". لهذا، باتت تؤدي الدور الإمبريالي نفسه، الدور الذي يقوم على سحق الشعوب، وتدمير قدراتها وتشريدها. 


الشعب أهم من الوطن، ومن دونه ليس من وطن. إنه يعلو على الوطن بالتالي. وكل تحليلٍ لا ينطلق من هذه البديهية يكون غارقاً في مثالية مفرطة، المثالية التي تتحوّل إلى فاشيةٍ فعلية. فـ "الإنسان أثمن رأسمال" (أظن أن هذا اسم كرّاس كتبه ستالين، لكنه أساس الماركسية بالأصل)، ومنه تتشكل الطبقات، ويُبنى الوطن، ويتأسس النهوض. 


أظن أن كل ما كتبته، هنا، يتعلق بموقف "اليسار الممانع" من سورية تحديداً، وبشكل أعم من الشعوب، لأنه يتعلق بالأفكار، يغرق بالأفكار التي لا تلمس الواقع. هذه خبرة تاريخية لديه جعلته يحصل على الدكتوراه في الفشل. ففي سورية، شعب يخوض ثورة، وهذا اليسار يصطف مع الإمبريالية وأدواتها في صف واحد ضدها


No comments: