حسام كنفاني
28 نوفمبر 2015Link
لا يمكن اعتبار إسقاط الطائرة الروسية فوق سورية حدثاً عابراً في مسار الأحداث في المنطقة. هو حدث ستكون له تداعيات كثيرة لاحقة على التوازن العسكري والسياسي، خصوصاً أنه يأتي في خضمّ تحوّلات في موازين القوى العالمية، سيكون لإسقاط "السوخوي" تأثير مباشر فيها، وربما لذلك لا يزال الروس إلى اليوم غير مستوعبين الحدث الذي مثّل صدمة لكل ما يخطط له فلاديمير بوتين على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ومهما حاولت الدبلوماسية التركية، ومعها العالمية، التخفيف من أثر إسقاط الطائرة على العلاقات البينيّة بين معسكري الشرق والغرب، إلا أن الحادث سيبقى ماثلاً في المعطيات الاستراتيجية الجديدة، ليس في سورية وحسب، بل على الصعيد العالمي، لأكثر من اعتبار. لعلّ أبرز هذه الاعتبارات أن العملية تأتي في ذروة الصعود الروسي المتدرّج، والذي بدأ منذ مطلع الألفية الثالثة. صعود وصل، اليوم، إلى مرحلة تجعل من موسكو الوريثة الشرعية لإمبراطورية الاتحاد السوفييتي، وهو ما يريده فعلياً بوتين الذي يلعب، اليوم، على وتر تراجع النفوذ الأميركي، لينتقل إلى محاولة ملء الفراغ، وإنْ باتجاه سياسي معاكس.
على هذ الأساس، كان التدخل في سورية لمصلحة نظام بشار الأسد، وبذريعة محاربة داعش، الأمر الذي رضي به الغرب، عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، على مضض، غير أن مسار الأيام الخمسين، وهي عمر التدخل الروسي في سورية، كشفت عن معطيات أخرى لأهداف هذا التدخل، وفي مقدمتها ضرب المعارضة السورية، بغض النظر عن درجات اعتدالها أو تطرفها، في محاولة لقطع الطريق على تكوين أي خيار بديل ممكن لنظام الأسد.
إضافة إلى هذا المعطى السياسي في الأهداف العسكرية، أراد بوتين تحويل الساحة السورية إلى مسرح لاستعراض العضلات، ولتأكيد أن روسيا هي القوة المقبلة على الساحة العالمية. ووفق هذا المعطى، صالت الطائرات وجالت، وضربت ما شاءت من الأهداف، تحت أنظار العالم الذي اكتفى بالتنبيه والتحذير والإدانة، فيما كانت البوارج الروسية تطلق صواريخها "عن جنب وطرف"، حتى أنها قصفت أراضي الحليف الإيراني.
أمام التقاعس الغربي في مواجهة التمدّد الروسي، أصبح بوتين يعيش مرحلة غطرسة القوة، الأمر الذي جعل من إسقاط مقاتلة السوخوي ليس أمراً عابراً، بل بمثابة صدمة، أو صفعة، لحلم "روسيا العظمى" الذي يسعى إليه بوتين، خصوصاً أنه لم يأت من الولايات المتحدة التي يمكن أن تعتبراً روسيا نداً، بل من تركيا التي لا ترى فيها روسيا عملياً قوة عظمى، يمكن أن تكون موازية.
من هذا المنطلق، ينظر الروس بهذا الكم من القهر لعملية إسقاط الطائرة، فالحادث جاء عملياً بمثابة محاولة لدفع موسكو إلى استيعاب أنها ليست ولن تكون وحدها في المنطقة، وأن غطرسة القوة سيكون لها ثمن في المستقبل، سواء عبر عمليات من هذا النوع، أو ربما مواجهة أشمل قد تكون شرارة لحرب عالمية ثالثة، لا أحد يريدها، وروسيا في المقدمة. ما بعد استهداف "السوخوي" ليس كما قبله، وإذا حاول الروس، اليوم، قهراً، استيعاب الضربة التركية والرد عليها اقتصادياً وسياسياً، فإن أي حادث مماثل في المستقبل لن يكون من الممكن تمريره بدون رد على المستوى نفسه.
الصدمة استُتبعت بالمواقف الغربية، وخصوصاً الأميركية، والتي جاءت أيضاً لتذكير الروس بأن "الأطلسي" لم يمت بعد، وأن أسباب إنشائه منذ البداية عادت، اليوم، إلى الظهور، وإنْ بشكل مختلف، وهو ما سيعيد قريباً جداً صراع المعسكرين إبّان الحرب الباردة، لكن في ظل أجواء حامية حالياً.
لا نزال في الأيام الحالية نعيش التداعيات الأولى لإسقاط الطائرة الروسية، والتي لا بد أن تدفع موسكو إلى إعادة الحسابات، أو الإقدام على مزيد من جنون القوة.
No comments:
Post a Comment