Tuesday, January 16, 2007

رايس ولقاء المعتدلين بالكويت

عبد الباري عطوان

16/01/2007

تلتقي السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية اليوم في الكويت وزراء خارجية ثماني" دول عربية، هي دول الخليج الست علاوة علي مصر والاردن، لتأمين الدعم العربي لخطة الرئيس الامريكي جورج بوش الجديدة في العراق، وخاصة الشق المتعلق منها بالتصدي للنفوذين الايراني والسوري، والاستعداد للمواجهة الاكبر ضد طهران.
جولة السيدة رايس في المنطقة قد تكون الاخطر، لان ادارة الرئيس بوش تحاول في العامين المتبقيين من رئاستها انقاذ ماء وجهها، وتحقيق انتصار ما في العراق تستند اليه لشن حربها المقبلة ضد ايران لتدمير برامجها النووية.
فالعد التنازلي للهجوم علي ايران قد بدأ، والخطوات العملية لتنفيذه تسير علي قدم وساق، ومن غير المستبعد ان تبدأ اسرائيل بشن غارات جوية بأسلحة نووية تكتيكية، ثم تبادر واشنطن للدفاع عنها في حال تعرضها لأي رد ايراني انتقامي. فالبوارج الحربية الامريكية تتدفق الي مياه الخليج الدافئة، واسعار الذهب في ارتفاع، واسعار اسهم بورصات دول الخليج في انهيار متواصل، وتكفي الاشارة الي ان اسهم البورصة السعودية خسرت اكثر من خمسين في المئة من قيمتها في العام الماضي، وهذه مؤشرات علي ان الحرب باتت شبه حتمية .
السيدة رايس ضمنت موافقة الحكومة المصرية علي استراتيجية بوش الجديدة، وما التحفظات التي ابداها وزير خارجيتها السيد احمد ابو الغيط في المؤتمر الصحافي الذي عقده امس في ختام المباحثات الا من قبيل ذر الرماد في العيون. لان مثل هذه التحفظات وابرزها ادخال تعديلات علي الدستور العراقي تلبي مطالب السنة العرب في دخول العملية السلمية، وانهاء العنف الطائفي، وحل الميليشيات، وردت في خطاب بوش.
ولا نعتقد ان دول الخليج والاردن ستجرؤ علي معارضة الاستراتيجية الامريكية، وستجد في موافقة الدولة العربية الاكبر الغطاء الذي تريده لتمويل اي تحرك امريكي ضد ايران في العراق او في ايران نفسها، وفتح قواعدها العسكرية ومياهها الاقليمية لانطلاق القوات والقاذفات والغواصات نحو اهدافها في العمقين الايراني والعراقي.
فلم يكن من قبيل الصدفة ان تبدأ السيدة رايس جولتها بزيارة فلسطين المحتلة، ولقاء السيد محمود عباس رئيس السلطة وايهود اولمرت رئيس وزراء الدولة العبرية، والاعلان عن قمة ثلاثية بين الرجلين برعايتها في الايام القليلة المقبلة لإحياء عملية السلام واستئناف المفاوضات لتطبيق خارطة الطريق والوصول الي الدولة الفلسطينية المستقلة مثلما اعلنت في القاهرة.
فهذا التحرك الامريكي جاء لارضاء الدول الثماني التي باتت تشكل الاساس في تحالف المعتدلين الجديد الذي تعمل الادارة الامريكية علي تأسيسه ليكون نواة حلف بغداد الجديد في المنطقة، فقد طالب وزراء خارجية هذه الدول السيدة رايس في اجتماعهم الاول معها في القاهرة ان تفعل شيئاً علي صعيد ملف القضية الفلسطينية، لانه سيكون من الصعب عليهم، امام شعوبهم، مساندة حرب امريكية جديدة ضد ايران والدولة العبرية تتمتع بضوء اخضر امريكي، لقتل ما شاءت من الفلسطينيين، وتوسيع المستوطنات، وبناء السور العنصري.
اللافت ان السيد عباس يتصرف كما لو انه يتزعم حزب الاغلبية في فلسطين، او كما لو انه ما زال في تونس او حتي الفاكهاني، يعرض فتح قنوات تفاوض خلفية، ويقبل مقترحات امريكية واخري مصرية، وينسي ان الظروف تغيرت، وان هناك حكومة منتخبة، وفصيلا فلسطينيا آخر يملك اغلبية المقاعد في المجلس التشريعي، ويحظي بمساندة فصائل اخري تتمتع بنصيب لا بأس به من كعكة الرأي العام الفلسطيني داخل الارض المحتلة وخارجها.
ايهود اولمرت حرص علي اصطحاب وزيرة خارجيته تسيبي ليفني ووزير دفاعه، وعدد من الوزراء في حكومته، اثناء مباحثاته مع السيدة رايس، بينما لم نشاهد وزيرا فلسطينيا واحدا في صحبة السيد عباس، ولا حتي شخصية فلسطينية مستقلة، وانما مدير مكتبه وبعض الوزراء السابقين الذين خسروا الانتخابات الاخيرة، مع ان الطبخة التي تطبخها السيدة رايس هي الاخطر من نوعها، وستؤثر نتائجها، اذا ما نجحت، علي مستقبل الشعب الفلسطيني بأسره.
ويصعب علينا ان نفهم ادمان السيد عباس علي القنوات التفاوضية السرية الخلفية، والعمل في الظلام، وتوسل الاسرائيليين للقبول بها، والامريكان لاعتمادها، فلماذا لا يتحرك في العلن، وهو الذي لا يتورع عن زيارة اولمرت في بيته ومعانقته وامتداح مهارة زوجته في اعداد الطعام؟
ثم من فوض الرئيس عباس واعضاء مكتبه للتفاوض في السر او في العلن، وأعطاه صلاحيات اختيار فريق المفاوضين، فهل رجع الي المجلس التشريعي او المجلس الوطني وأخذ موافقتهما، وهل استفتي الفصائل الفلسطينية والكتل النيابية قبل الموافقة علي مقترحات رايس، وحضور القمة الثلاثية، واستئناف المفاوضات؟
ما تعرضه السيدة رايس، وتريد التوصل اليه عبر المفاوضات لاحقا، هو قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، اي اعادة احياء الحكم الذاتي وتغيير اسمه فقط، بحيث يتحول الي دولة، بينما تبقي المستوطنات وتتوسع، وتبقي حواجز الإذلال، واكثر من عشرة آلاف اسير في السجون الاسرائيلية.
دول محور المعتدلين التي ستجتمع بوزراء خارجيتها السيدة رايس اليوم تقف علي ابواب كارثة استراتيجية اخري، بتأييدها الاعمي لاستراتيجية بوش الجديدة، تماما مثل كارثة مساندتها للاستراتيجية الامريكية القديمة التي اطاحت بالنظام العراقي، ودمرت العراق ومزقته وسلمته لقمة سائغة للنفوذ الايراني الذي تعمل حاليا لوضع حد له.
تكاليف مساندة الاستراتيجية الامريكية القديمة الفاشلة كانت باهظة جدا، ولكن مساندة الاستراتيجية الجديدة، وما تخطط له من مواجهات عسكرية قد تتضمن حروبا نووية، ستــــكون مضاعفة، لان هـــذه الدول هي التي ستتضرر، خاصة اذا وجدت نفسها في حلف جــديد جنــبا الي جنب مع الدولة العبرية.
الغالبية الساحقة من الحكومات الغربية، ومعظم اعضاء الكونغرس، بمن فيهم الجمهوريون، توقعوا فشل استراتيجية الرئيس بوش، واعتبروها وصفه للدمار، وطالبوه بالاعتراف بالهزيمة في العراق، الا الزعماء العرب، والمعتدلين منهم خاصة، فقد كان رأيهم غير ذلك، وها هم يتسابقون لفرش السجاد الاحمر للسيدة رايس، وتقبيل يديها، والبصم علي مطالبها، وهذا ما يفسر انهيار الأمة العربية، وصعود الامم الاخري، وخاصة الأمة الايرانية.
صحافية مصرية شابة لخصت احوال قيادة بلادها، والعرب جميعا، بسؤال وجهته الي السيد ابو الغيط والسيدة رايس في المؤتمر الصحافي نفسه، عندما قالت: لماذا لا يستجيب الرئيس بوش لطلبات الرئيس مبارك وآخرها بعدم اعدام صدام حسين يوم العيد، بينما لا يتردد الرئيس المصري بقبول كل مطالب الرئيس الامريكي؟ السؤال لا يحتاج الي اجابة."

No comments: