حرب اعلامية سعودية سورية
"دخلت العلاقات السعودية ـ السورية مرحلة غير مسبوقة من التوتر، عندما ردت الحكومة السعودية علي لسان مصدر رسمي مسؤول بعنف علي الانتقادات العاتبة التي وجهها اليها السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، اتهمته فيها بالخروج عن الآداب المرعية بين الدول، ومتهمة حكومته السورية بنشر الفوضي والقلاقل في المنطقة.
الرد السعودي جاء مفاجئا في عنفه وفي الفاظه، بالاضافة الي سرعته، لان من عادة السعودية التريث في اتخاذ المواقف، واستخدام كلمات اكثر دبلوماسية في حال اذا ما قررت الرد علي اي انتقاد لها، الامر الذي يعكس تغيرا جذريا في السنن السعودية، جاء مع تولي العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد.
نحن الان نقف امام حرب اعلامية من العيار الثقيل بين دولتين كانتا حتي الامس القريب جزءا من تحالف قوي الي جانب مصر، حكم المنطقة، وصاغ سياساتها طوال ربع القرن الماضي علي الاقل.
مصدر الخطورة الحقيقي يكمن في امكانية تطور هذه الحرب الاعلامية الي مواجهات دموية في مناطق التنافس والصراع، مثل لبنان، بل وسورية والمملكة العربية السعودية نفسهما، خاصة ان انصار الطرفين في الاعلام اللبناني بدأوا مرحلة من التلاسن العلني وتبادل الاتهامات.
ما يجعلنا نضع ايدينا علي قلوبنا، هو ما صرح به السيد جمال خاشقجي رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية، والمستشار السابق للامير تركي الفيصل السفير السعودي السابق في كل من واشنطن ولندن وقبلها رئيس جهاز الاستخبارات، لقناة العربية التلفزيونية الفضائية تعقيبا علي بيان المصدر السعودي المسؤول، عندما لمّح الي ان المملكة العربية السعودية ربما لا تسمح باستمرار الفراغ الحالي في السلطة في سورية، وتتبني طروحات تغيير النظام الحالي، ودعم قوي المعارضة.
وربما يجادل البعض بان السيد خاشقجي لا يحتل حاليا اي موقع رسمي، وكلامه بالتالي لا يعكس رأي الحكومة، وهذا صحيح ولكنه يظل جزءا اصيلا من الآلة الاعلامية السعودية الضاربة، وعلي اطلاع مستمر بحكم الخلفية والوظيفة علي دهاليز السياسة السعودية ومنحنياتها.
المنطقة العربية تعيش حاليا حالة من الفرز والاستقطاب غير مسبوقة، حيث يوجد تياران رئيسيان، الاول يتكون مما يسمي دول محور الاعتدال، وهي مصر والاردن الي جانب دول مجلس التعاون الخليجي الست، ودول ما يسمي محور الشر وفق التوصيف الامريكي ويضم ايران وسورية و حزب الله و حماس . والتجاذب الاعلامي السوري ـ السعودي الراهن هو احد انعكاسات حالة الاستقطاب هذه.
تبني الحكومة السعودية لنظرية تغيير النظام في سورية اذا ما حصل سيشكل تطورا خطيرا، لانه يعني اللعب علي المكشوف، والسعودية تملك فائضا ماليا ضخما يؤهلها للايذاء، من خلال دعم حركات المعارضة السورية، وتحالف حركة الاخوان المسلمين مع السيد عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السابق المنشق عن النظام، علي وجه الخصوص.
وتوجد هناك علاقات تاريخية بين الحكومة السعودية وحركة الاخوان في سورية، لم تنقطع الا بعد انضمام سورية في عهد الرئيس حافظ الاسد الي الحلف السعودي ـ المصري.
ومن غير المتوقع ان تلتزم سورية جانب الصمت في حال بدأت السعودية في تبني المعارضة لنظامها. وتستطيع ان ترد من خلال دعم جماعات مناهضة للنظام السعودي ومحوره الجديد، فاذا كان رأس النظام هو المستهدف، فلماذا لا يتم التعاون مع الشيطان، اي تنظيم القاعدة في هذه الحالة، وبعض الجماعات الاسلامية السعودية المتطرفة سنية كانت او شيعية؟
الامر المؤكد ان القطيعة النهائية بين السعودية وسورية تمت، واصلاح العلاقات بين الطرفين بات مهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة، حتي لو تحققت مطالب الحكومة السعودية في اعتذار السيد الشرع وتراجعه علنا عن تصريحاته، او حتي بازالته من موقعه. فقد افترقت السبل، واصبح الصدام بين المحورين وشيكا، ولن نستغرب اذا ما كان هذا الخلاف مفتعلا في اساسه لتفجير احتقان مكتوم، واظهاره الي العلن، وتبرير ما هو قادم من مواجهات وصدامات تبدأ في لبنان وتمتد الي ساحات اخري."
No comments:
Post a Comment