A Great Editorial (Arabic)
فليستقبل كمجرم حرب
عبد الباري عطوان
"يغادر الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش العاصمة واشنطن الي المنطقة العربية في جولة تشمل ست دول وتستغرق تسعة ايام هي الاوسع من نوعها منذ ان تولي زمام الحكم قبل سبع سنوات.
تنظيم القاعدة هدد بأنه سيستقبله بالقنابل والمتفجرات، ولكننا نعتقد ان الاستقبال اللائق به كمجرم حرب هو قذفه بالبيض الفاسد، والبندورة العفنة، والمظاهرات الصاخبة لإظهار حقيقة المشاعر العربية والاسلامية تجاهه، وحروبه المدمرة، وسياساته الخارجية المنحازة ضد كل ما هو عربي ومسلم.
من حق الأنظمة وزعمائها في الدول الست ان يفرشوا السجاد الاحمر للرئيس الامريكي، ويقيموا الولائم العامرة علي شرفه والوفد المرافق له، فهذه الانظمة تواطأت، ان لم تكن قد شاركت في كل حروبه في المنطقة، ويكفي التذكير ان القوات الامريكية التي غزت العراق، واحتلت بغداد انطلقت من الاراضي العربية في الجوار العراقي. لكن من حق الشعوب العربية ان تقول رأيها ايضا، بالطريقة الحضارية المتبعة، في الرجل ومجازره وحروبه وسياساته الكارثية.
فمن العار ان تستقبل المظاهرات الصاخبة والاحتجاجات العنيفة الرئيس بوش من قبل شعوب غربية من المفترض ان تكون صديقة، وتحالفت حكوماتها بحماس في الحروب الامريكية في العراق وافغانستان، مثل الشعبين البريطاني والاسترالي، بينما تستقبله الشعوب العربية في مصر والاردن وفلسطين والمملكة العربية السعودية والبحرين والامارات بالورود والرياحين، او حتي بالصمت.
فاذا كان الشعب الامريكي نفسه قد لفظ هذا الرجل، واعتبره الاسوأ في تاريخه، وتدنت شعبيته في اوساطه الي اقل من خمسة وعشرين في المئة، فمن البديهي ان لا يشعر بأنه مرحب به من قبل شعوب منطقة خسرت حوالي مليون ونصف المليون من ابنائها في حربه الدموية في العراق.
الرئيس بوش لا يمكن ان يكون صانع سلام، لانه لا يعرف غير الحرب والدمار، واعلن منذ اليوم الاول انه ذاهب الي المنطقة من اجل دعم اسرائيل، وفرض الاعتراف بها كدولة يهودية علي الشعب الفلسطيني وقيادته والدول العربية الاخري.
كيف نصدق انه يأتي الي المنطقة من اجل اقامة دولة فلسطينية مستقلة وهو الذي ايد ويؤيد المجازر الاسرائيلية اليومية علي ابناء الضفة وقطاع غزة، ويساند التوسع الاستيطاني، وضم المستوطنات الاساسية حول القدس المحتلة، وتوسيع الاخري في مختلف انحاء الضفة الغربية. فقد صرح لصحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية في حديث خاص نشرته امس ان احد ابرز الاسباب لزيارته الحالية هو دعم الدولة العبرية، وتأكيد الوقوف الي جانبها في مواجهة أية اخطار.
الخطر الذي يتحدث عنه الرئيس الامريكي هو الخطر الايراني الذي بدأ عملية اعلامية وسياسية مبرمجة لتضخيمه مجددا، والاعداد لضربة عسكرية امريكية، وربما اسرائيلية، للبرامج النووية الايرانية، وكشف عن ذلك بكل وضوح للصحيفة نفسها عندما اكد انه سيقول لقادة الدول التي يزورها اننا نعتبر ايران خطرا.. وان اعادة تقييم الاستخبارات الامريكية لهذا الخطر لا تقلل اطلاقا من شأنه بل توضح طبيعته .
انه رجل متخصص في الحروب وسفك الدماء، ارثه متضخم بالحروب الفاشلة والكارثية، وخلق دول فاشلة، وفوضي دموية، واستخدام اسلحة الدمار الشامل التي تزدحم بها ترسانته لقتل الابرياء تحت ذرائع واهية.
فقد غزا العراق تحت ذريعة احلال الديمقراطية، وفرض احترام حقوق الانسان، و تحرير الشعب العراقي من نظام دكتاتوري، وها هو العراق، وبعد خمس سنوات من الاحتلال، ومليون ونصف مليون قتيل، وضعفي هذا العدد من الجرحي، وخمسة ملايين مشرد، يتحول الي دولة فاشلة غير آمنة تحكمها الميليشيات الطائفية، وترضخ لاحتلال اجنبي مزق البنية الاجتماعية، وغذي بذور الطائفية المقيتة، ودمر الطبقة الوسطي، واغتال العلماء.
غزو العراق لم يكن من اجل الديمقراطية او من منطلق الحرص علي الشعب العراقي، وانما من اجل تأمين اسرائيل، والسيطرة علي النفط العراقي، واذلال الأمة العربية، وحرمانها من كل اسباب القوة، ولم يتردد الن غريسبان رئيس البنك المركزي الامريكي لاكثر من عشر سنوات ان يؤكد في مذكراته ما قاله وزير الدفاع الاسترالي، اي ان غزو العراق جاء من اجل النفط.
فاذا كان الرئيس بوش هو حامي حمي الديمقراطية، وحامل رايتها، فكيف نفسر تحالفه مع الدكتاتور، برويز مشرف في باكستان، وحصاره التجويعي للشعب الفلسطيني بسبب تقديمه مثلا غير مسبوق في الديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة في المنطقة؟ ثم هل يمكن ان يدلنا الرئيس بوش علي الديمقراطيات العظيمة واحترام حقوق الانسان في الدول التي سيزورها في جولته الحالية؟
وحتي حرب بوش علي الارهاب جاءت بنتائج عكسية تماما رغم انفاق اكثر من ستمئة مليار دولار حتي الآن تمويلا لها، فتنظيم القاعدة الذي كان محصورا في جمهورية تورا بورا، تحول الي تنظيم عالمي، له فروع في العراق والسعودية واوروبا والصومال واخيرا في المغرب العربي. ومن المفارقة ان حركة طالبان التي ارسل بوش قواته لإزالة حكمها بدأت تعيد تنظيم صفوفها، وباتت تسيطر علي خمس محافظات افغانية، وكشفت الصحف البريطانية مؤخرا عن مفاوضات اجراها دبلوماسيون بريطانيون مع ممثليها لحفظ ارواح القوات البريطانية، والتعاون معها في مجالات الأمن ومكافحة زراعة المخدرات.
وربما لا نبالغ اذا قلنا ان الرئيس بوش، او ادارته في افضل الاحوال، هي المسؤولة عن اغتيال السيدة بنازير بوتو بطريقة غير مباشرة، عندما استخدمتها كأداة في حروبها علي المتطرفين الاسلاميين، واشترطت عليها تلبية كل المطالب الامريكية مثل تسليم عبد القدير خان ابو القنبلة النووية الباكستانية، واطلاق يد القوات الامريكية لضرب اي مواقع تريدها وتشتبه في وجود القاعدة فيها في افغانستان، وهي المطالب التعجيزية التي عجلت بنهايتها.
الشعوب العربية في الدول التي يزورها الرئيس بوش يجب ان تتصدي لعجرفته، وتكسر غروره، وتكشف جهله وحقيقة مشاعره تجاهها، وان تثبت له ان الحكام الذين سيلتقيهم ويصافحهم ويعانقهم لا يمثلون حقيقة مواقفها تجاه الادارة التي يتزعمها وسياساتها.
الحرب علي ايران التي جاء الرئيس بوش ليقرع طبولها، ويحرض عليها ستكون كارثة علي المنطقة، وستكون الشعوب العربية هي الخاسر الاكبر فيها، لان الصواريخ الايرانية اذا ما انطلقت كرد فعل انتقامي ستتجه الي آبار النفط والمدن العربية التي تشارك حكوماتها في هذه الحرب، او تستضيف قواعد امريكية علي ارضها.
الرئيس بوش خسر كل حروبه، وجعل من نظامه الاكثر كراهية في نظر معظم شعوب العالم، وتسبب في قتل اربعة آلاف جندي امريكي واصابة 25 الفا آخرين، نسبة كبيرة منهم باتوا معاقين تماما، وهو الآن يتصرف مثل النمر الجريح، او المقامر الذي خسر كل شيء، ويريد ان يعوض خسارته بأي شكل. ولذلك لا بد من محاولة وقفه، او وقف الحكومات العربية التي تستعد لمساندة حربه المقبلة التي ربما تكون الاكثر خطورة ودمارا."
No comments:
Post a Comment