Friday, January 11, 2008

دولة بوش ووطن المقاومة


A Must Read (If you read Arabic)

عادل سمارة
فلسطين المحتلة

"لو قال قائل قبل اربعين عاماً، أن حركة تحرر وطني سوف تقف على ابواب البيت الأبيض تستجدي دولة، وتطمئن شعبها على ذلك، بعد إسالة دماء أبنائها لمئة عام، وبعد اغتصاب وطنها، هذا دون أن نتحدث عن كل مآسي وضحايا الأمة العربية كلها، لقيل فيه ما قال مالك في الخمر. لكن هذا يحصل اليوم وعلى الملأ وبافتخار.

اسوق هذا وأنا وكل الناس نستمع لسيل من المدائح والآمال والتحليلات والتعليقات وافتتاحيات الصحف والمقالات من مثقفي وساسة طبقة الكمبرادور ونخبته المستفيدة من المرحلة طردياً مع ترديها، يقولون بأن جورج بوش، الذي ، بغباء أو ذكاء مفرط، لا يخفي احتقاره للعرب وكرهه للإسلام، سيخلق للفلسطينيين دولة! وهي إن حصلت، ليست وطناً.

لا أدري في حقيقة الأمر ماذا يقول العالم عن هؤلاء المتأملين، ولا أدري كيف يمكن أن نُقنع البشرية بمساواتنا معها ونحن نهوي إلى هذا الحد! كأن هؤلاء الفلسطينيين كانوا ينتظرون انحسار الثورة العالمية ليتنازلوا عن ما هو لهم وما ليس لهم. ولا أدري ماذا يقول القادة الصهاينة في سريرتهم حينما يستمعوا إلى هذه الآمال والترجيات الفلسطينية والعربية الرسمية؟

لم يخطر بالبال، ولا بالتحليل العلمي ذات يوم أن يصل "استدخال الهزيمة" إلى هذا العمق. وأن يتم التسابق على التطبيع مع الإمبريالية والصهيونية وراس المال. وأن يصبح "السلام" خيار استراتيجي، وهو سلام يعني مسالمة كل من يطمع في الوطن والأمة.

صحيح أن للإعلام دوره في أخذ العقول على حين غرة، ولكن أن يعتقد أناس أن وطنهم المنهوب سُيعاد، أو حتى بعضه، على يد من قام باغتصابه ودعم اغتصابه، فهذا أمر يحتاج لفحص العقول، أو فحص الجيوب!

لو قال أحد ذات يوم بأن حركة التحرر الوطني الفلسطينية ترمي إلى إخلاء الكيان الصهيوني لبضعة كيلو مترات مما احتله عام 1967 لتقيم فيها دولة، لكان والله قُتل.

ولأن حركة المقاومة الفلسطينية نبتت في حقبة سوداء بالكامل، اي بعد هزيمة 1967 النكراء، بانت هذه الحركة كما لو كانت شيئاً، أو حركة بمستوى المهمة المدعاة. وساعدها على ذلك النفخ الإعلامي لها ولأنظمة عربية كانت تغطي نفسها بورقة تين أو توت لا فرق.

ولكن، كان هناك فريقان يعرفان حدود ومحدودية هذه الحركة. الفريق الأول قياداتها، التي كانت على يقين بأن باعها أقصر ألف مرة من تحرير فلسطين طالما هي حركة إقليمية من جهة، ومفتقرة إلى عقيدة متماسكة من جهة ثانية. ولذا، تعاطت التسوية والمناورة منذ الأيام الأولى للمقاومة.

والفريق الثاني، بعض المثقفين ذوي الرؤيا، الذين أدركوا طبيعة قيادة هذه الحركة، فنقدوها وهجروها. قد يكون لحسن الحظ انني أحدهم. فبعد أن غادرت الجبهة الشعبية مع انشقاق الديمقراطية عنها، دون أن أعرف عن اليمقراطية سوى أنها تتبنى الماركسية، حيث كنت في المعتقل، وبعد مغادرة المعتقل ببضع سنوات توصلت إلى أن هذه المقاومة لا يمكن أن تنجز حتى دولة فلسطينية في الضفة والقطاع. وإذا كان للجبهة الديمقراطية أرشيفاً في دمشق فقد كتبت لهم ذلك في عشرين صفحة، ومما ذكرته أن الإتحاد السوفييتي ليس دولة اشتراكية وليس حليفاً، وأن التنظيم مجرد حركة برجوازية صغيرة..الخ. كان ذلك عام 1976. وغادرت هذا التنظيم لأغادر تنظيمات المقاومة. ولأتهم بشتى التهم، وهو ما لم يهزني، وها انذا أقرأ اليوم صحة ما كتبته قبل اكثر من ثلاثين عاماً.

التدمير النفسي

إذا كان لا بد من وضع زيارة هذا السفاح في سياقها الفعلي، فهي زيارة تستهدف النيل من كرامة الجزء المقاوم من الأمة العربية. هي إشارة لكل عربي، بأن بوسع القاتل أن يدخل فلسطين محمياً بفلسطينيين ومرحبا به منهم، فهل أذل من هذا؟

ماذا ستقول اسر الشهداء في فلسطين واسر الأسرى، والمغتصبات في العراق؟ أليس هذا مشهداً سوريالياً!

ماذا كان ل بوش أن يتمنى أكثر من ان يرحب به في العواصم العربية علناً بعد كل الدماء العربية التي سفحها ولا زال.

هنا الخطر النفسي لهذه الزيارة، والتدمير المعنوي، هنا النيل من الكرامة. وكل هذا تحت غطاء، انه قادم وفي جيبه دولة. نعم، لا تحتاج هذه الدولة لأوسع من جيب بوش! فهي ليست وطناً.

وصل بوش وقدم ما انتظره الكيان، وهو تاييد حصر دولة الكيان في اليهود "دولة يهودية"، وأضاف في رام الله على مرأى ومسمع كل الفلسطينيين والعرب المناضلين من أجل حق العودة، أن الأمم المتحدة قد انتهت، ولا قيمة لقراراتها. ربما لهذا انتظر أهل التسوية دولة من بوش وليس وطناً. وغير هذا التصريح، لا يوجد في كل ما قاله هذا الرجل شيئاً يُذكر بالنسبة للفلسطينيين. هذا إذا نأينا بأنفسنا عن زيارته لبيت لحم ليمارس أصوليته الدينية المتعصبة، وليشعر أنه يقوم حقاً بغزوة "إفرنجية" تماماً كما قال هو بنفسه قبل بضع سنوات، وزعم المفسرون والمترجمون العرب لأفكاره، بأنها زلَّة لسان. لماذا لا يكون لديه هذا الشعور، وهو بهذه العقلية والثقافة؟ ولماذا لا تكون طائرته قد حلقت فوق سهل مجدو "ارماجدون" الذي يجهز هو وامثاله لمعركتها، ولكن هذه المرة، "معركة مجدو الراسمالية والنفطية"، نعم لتصبح حقيقة لا خرافة.
......
......
"

No comments: