الحكام العرب وسفن كسر الحصار
"السؤال الذي يتردد في أوساط ملايين العرب ولا يجد له اجابة شافية هو عن غياب أي تحرك عربي، رسمي أو شعبي، لكسر الحصار المفروض على مليون ونصف مليون عربي ومسلم في قطاع غزة! هذا السؤال يتردد بالحاح بعد نجاح مجموعة من المتطوعين الأجانب، يمثلون حوالي عشرين جنسية، في كسر الحصار، والوصول إلى شواطئ مدينة غزة، في قواربهم البسيطة، متحدّين كل التهديدات الاسرائيلية بإغراقها، ومستعدين لمواجهة أكثر الاحتمالات خطورة، بما في ذلك الموت غرقاً في عرض البحر. السلطات الاسرائيلية لم تسمح للسفينتين بالوصول إلى هدفهما، وافراغ حمولتيهما من المعدات الطبية والأطراف الصناعية، وأجهزة مساعدة السمع للأطفال، الا بعد أن أدركت بأن أخطار الحظر أكبر بكثير من أخطار السماح بالمرور، أي أنها لم تتخذ هذه الخطوة لأسباب انسانية، وانما حرصاً على تقليص الأضرار التي يمكن أن تلحق بالصورة الاسرائيلية الملطخة بانتهاكات حقوق الانسان الفلسطيني.
كان رائعاً ذلك المواطن اليوناني، مالك السفينتين، الذي تطوّع بتسخير سفينتيه لهذه المهمة الانسانية ومعانيها الرائعة في التحدي والانتصار للضعفاء المحاصرين المجوعين وسط مؤامرة صمت عربية وعالمية مخجلة.
نلوم دائماً الحكومات العربية على تقصيرها في حق بعض ابناء جلدتها وعقيدتها، ولكننا لا نتردد هذه المرة في توجيه اللوم إلى منظمات المجتمع المدني العربية والاسلامية، والجمعيات غير الحكومية التي لم تبادر، رغم امكانيات بعضها الضخمة، في الاقدام على خطوة كهذه لكسر الحصار واظهار التضامن مع اشقاء لهم يعانون مر المعاناة في ظله.
الأمين العام لجامعة الدول العربية تعهد أكثر من مرة بخرق هذا الحصار، وايصال الأموال والمساعدات الطبية والغذائية إلى أبناء قطاع غزة، وعقد من أجل هذا الهدف العديد من الاجتماعات لبحث هذه المسألة، واتخاذ اجراءات عملية في هذا الخصوص، ولكننا لم نر مسؤولاَ عربياً واحداً يزور قطاع غزة، باستثناء وفد بحريني من محامين وممثلين لمؤسسات حقوقية وخيرية عبر الحدود لاظهار اقوى مظاهر التضامن مع ابناء القطاع المحاصرين.
لا نعتقد انه من الصعب استئجار، بل شراء، سفن، وتحميلها بالأغذية والأدوية، والتوجه بها إلى شواطئ قطاع غزة، لاحراج الحكومتين المصرية قبل الاسرائيلية، اللتين تغلقان المعابر بإحكام، مما حول قطاع غزة الى اكبر سجن في العصر الحديث. فمن شاهد حرارة الاستقبال الذي حظي به المتطوعون الأجانب من قبل أبناء القطاع عند وصولهم إلى الشواطئ، يدرك كم هم في حاجة إلى مثل هذه الخطوات التي تجسد التضامن والتحدي، والانتصار للقضايا الانسانية العادلة، والقضية الفلسطينية على رأسها.
جميع المتطوعين كانوا أبطالاً فعلاً، لانهم حققوا ما عجزت عنه حكومات عربية تملك جيوشاً جرارة مجهزة بأحدث المعدات العسكرية، جرى دفع ثمنها عشرات بل ربما مئات المليارات من الدولارات. فالمسألة ليست بالجيوش الجرارة، وانما بالقدرة على التحدي، والاقدام على اتخاذ القرار، والاستعداد للمخاطرة وتحمل تبعاتها من أجل أهداف انسانية.
لا نعرف ما هو شعور الرئيس المصري حسنى مبارك الذي يحكم اغلاق معبر رفح في وجه المحاصرين، ويصم آذانه لكل نداءات الثكالى والمرضى والمجوعين، وهو يشاهد هذه الوجوه البيضاء الأجنبية وهي تعانق أبناء القطاع وتشد على أيديهم، وتؤكد لهم تضامنها معهم.
ما نعرفه جيداً أن الرئيس حسني مبارك، ومعظم الملوك والرؤساء والامراء العرب الآخرين ربما لا يشاهدون هذه المناظر، ويضغطون على زر 'ريموت كونترول' أجهزة تلفزيوناتهم للقفز فوق هذه المناظر 'المؤذية' لمشاعرهم المرهفة والبحث عن قنوات الترفيه والطرب."
No comments:
Post a Comment