توحدت الشعوب وتفرقت الانظمة
عبد الباري عطوان
"توعدت السيدة تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية بتغيير الاوضاع بشكل جذري في قطاع غزة، بينما قال حاييم رامون نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي إن العدوان الذي تشنه قواته حاليا يهدف الى القضاء على حركة 'حماس'، ولكن ما يمكن استنتاجه وبعد اربعة ايام من المجازر، ان التغيير الذي سيتم ليس في القطاع وانما في المنطقة العربية بأسرها، وهو في غير صالح اسرائيل وحلفائها العرب على وجه التحديد، اما حركة 'حماس' فستخرج من بين انقاض القصف اكثر قوة وصلابة.
المنطقة العربية تغلي، والصحوة امتدت من موريتانيا حتى الخليج العربي، فقد وحّد صمود غزة كل العرب والمسلمين، ولم يشذ عن هذه القاعدة الا بعض المنخرطين في المشروعين الامريكي والاسرائيلي، بشكل مباشر او غير مباشر، تحت مسميات الواقعية والعقلانية.
شهداء غزة حققوا اكثر من مفاجأة بدمائهم الزكية الطاهرة، ابرزها ازالة بعض الخلافات والرواسب بين بعض الشعوب العربية، وانجاز مصالحات تأخرت كثيرا بسبب عمليات التحريض المقصودة لبذر بذور التفرقة، وتعميق الانقسامات.
.....
فحالة الفرز باتت واضحة للعيان بين شعوب متعطشة لاستعادة كرامتها وعزتها، وانظمة ادمنت العجز والاذلال، والركوع عند اقدام امريكا واسرائيل. وهو فرز مرشح للاتساع والترسخ، وسيقود الى قلب كل المعادلات القديمة المتكلسة في المنطقة.
اسرائيل لن تستطيع اقتلاع 'حماس' من قطاع غزة، لانها ليست موجودة فيه فقط، وانما في كل انحاء الوطن العربي، لانها امتداد لمنظومة اسلامية عميقة الجذور، وهذا خطأ استراتيجي يكشف عن مدى جهل السياسيين والاستراتيجيين الاسرائيليين بالحقائق على الارض، وما تعيشه المنطقة من مخاض خطير يبشّر بمرحلة جديدة مختلفة.
.....
المواقف الرسمية العربية المخجلة تتناسل الواحد تلو الآخر، فها هو السيد احمد ابو الغيط وزير الخارجية المصري يخرج مجدداً عن كل الأعراف الدبلوماسية والسلوكية و'يردح' للسيد حسن نصر الله الذي قاد هذه الأمة الى واحد من اعظم الانتصارات في تاريخها، لأنه طالب، اي السيد نصر الله، الجيش المصري العظيم بالضغط على قيادته السياسية لفتح معبر رفح، ويقول بكل وقاحة 'ان الجيش المصري تأسس من اجل محاربة امثالك'. ويطالب اسرائيل بفتح كل المعابر الى القطاع، بينما يصر على ابقاء معبر رفح مغلقاً.
اغلاق الحكومة المصرية لمعبر رفح امام المدنيين هو انتهاك فاضح لكل المعاهدات الدولية التي تشترط، بل وتحتم فتح جميع المنافذ الحدودية امام الفارين بأرواحهم من أتون الحروب
.....
المعونات الانسانية المرسلة من ابناء مصر وقطر تنتظر في مطار العريش، فلماذا لا يسمح لها بالوصول الى قطاع غزة؟ والطائرات الليبية المحملة بالأدوية والأغذية لماذا لا تحصل على تصريح الحكومة المصرية بالهبوط في مطار العريش؟ ولماذا لم نر الا جريحاً واحداً يعبر المعبر الى مصر بعد ثلاثة ايام من القصف الوحشي الاسرائيلي؟.. الحكومة المصرية تطبق المثل العربي الذي يقول 'لا يرحم.. ولا يريد رحمة الله تنزل على المحتاجين'.
هذه المواقف المعيبة هي التي تفسر عدم التجاوب مع نداءات عقد قمة عربية طارئة، لأن من يعارضونها يرضخون للاملاءات الامريكية والاسرائيلية، وهم سعداء بعجزهم المصطنع، ومطمئنون الى ان هبة الشعوب التي نراها الآن هي مجرد فقاعة وتنفجر بعد ايام معدودة مثلما حدث في الماضي. ولكن كل المؤشرات تؤكد انهم مخطئون، لأن العدوان الاسرائيلي سيستمر، والغضب الشعبي سيستمر ايضاً، وسيصل الى ذروته اذا ما صمد ابناء القطاع بضعة ايام، ودمروا بعض الدبابات الاسرائيلية وأوقعوا خسائر في صفوف القوات الغازية.
قد يأتي الخير من باطن الشر..
......"
No comments:
Post a Comment