غطاء عربي لمجزرة غزة
عبد الباري عطوان
"فشل وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير في القاهرة باتخاذ اي موقف للتصدي للعدوان الاسرائيلي المستمر على قطاع غزة يؤكد النظرية التي تقول بأن هذا العدوان جاء نتيجة تنسيق ومباركة مع دول عربية نافذة، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية. وهما الدولتان اللتان عارضتا بقوة عقد مؤتمر قمة طارئ لبحث الأوضاع في قطاع غزة، متعذرتين بالانقسام الفلسطيني.
هذا الاجتماع كان بمثابة فرصة نادرة لممثلي النظام الرسمي العربي لابراء ذمتهم من تهمة التواطؤ مع العدوان، ولكنهم أكدوا التهمة، بل وتفاخروا بها، وأعلنوا الاستمرار فيها، لاعطاء الطائرات والدبابات الاسرائيلية ما تحتاجه من وقت، وغطاء عربي، لاكمال مهمتها في إبادة أكبر عدد ممكن من أبناء قطاع غزة.
العدوان الاسرائيلي دخل يومه السادس، والطائرات الاسرائيلية من كل الأنواع والأحجام تواصل القاء حممها على المدنيين ومنازلهم، ولكن هذه الآلة العسكرية الجبارة فشلت في وقف اطلاق الصواريخ، بل زادت من أعدادها، وباتت تصل إلى العمق الاسرائيلي.
هذه الصواريخ 'العبثية'، كما يدعي 'عرب الاعتدال' اصبحت تشل الحياة في سبع مدن اسرائيلية كبرى مثل أسدود وعسقلان وبئر السبع، وتدفع بحوالى مليون اسرائيلي إلى الملاجئ،
.....
مشكلة النظام العربي الرسمي انه يصدّر ازماته الى الآخرين لحلها، فقد اراد من امريكا ان تخلصه من نظام حكم صدام حسين، ويريد الآن من اسرائيل ان تخلصه من المقاومة الاسلامية في غزة، وهو جاهز لدفع التكاليف كافة، مع قيمة الخدمة المضافة، مع الفوائد المصرفية ايضاً. فكم هم كرماء مع امريكا واوروبا وربما مع اسرائيل ايضا.
.....
اسرائيل انتصرت على جيوش ثلاث دول عربية في ستة أيام، عبر سلاحها الجوي، واستخدام الحد الأدنى من الدروع في هزيمة عام 1967. وها هي تعترف الآن بأن القصف الجوي لن يحسم حربها مع حركات المقاومة في غزة، رغم غارات الترويع التي تشنها على الأبرياء والتي لم تقتل مجاهداً واحداً من قوات القسام او سرايا القدس او اللجان الشعبية او كتائب الأقصى. فقد تعلمت هذه الكتائب جميعاً من تجربة 'حزب الله'، ولجأت الى الارض تحتمي بأنفاقها انتظاراً للحرب الحقيقية.
وهذا ما يفسر عدم مشاهدتنا مجاهداً واحداً في الشوارع ملوحاً ببندقيته، مثلما كان عليه الحال في الماضي، فهم ينتظرون الهجوم البري على أحرّ من الجمر، او هكذا نعتقد.
لا نستطيع ان نتنبأ بنتائج اي مواجهة برية، ولكن ما يمكن قوله هو ان الدبابات الاسرائيلية لم تستطع ان تتقدم بضعة امتار عندما وصلت الى ابواب المنطقة الغربية في بيروت اثناء اجتياح صيف عام 1982.
....
رجال المقاومة المدافعون عن اهلهم وعرضهم في غزة قد يكونون امام معجزة صمود جديدة، مرشحة لكي تشعل الشارع العربي بالمظاهرات والمواجهات مع قوات الحكومات العربية المتواطئة، و'المضبوعة' من اسرائيل وامريكا.
فالأمتان العربية والاسلامية تنتظران الشرارة التي قد تُحدث التغيير الذي يعيد اليها كرامتها وعزّتها، ويمحو عار الهزائم من تاريخها الحديث.
....
ما اجمع عليه جميع من اتصلت بهم، هو انتصارهم للمقاومة، واستعدادهم للتضحية دفاعاً عن قطاعهم المستهدف. وما لفت نظري اكثر، انهم لم يسألوا هذه المرة عن الجيوش العربية، ولم يوجهوا اي لوم لأحد. ربما لأنهم يئسوا، وربما لأن عزة نفسهم ابت عليهم العتاب، ربما لأنهم يترفعون بكبر عن الصغائر.
عبارة واحدة ظلت تتردد في أذني، قالها احد اطفال ابن اخي، 'يا عم نموت واقفين دفاعاً عن عرضنا وكرامتنا برصاص الاسرائيليين او شظايا صواريخهم اشرف من ان نموت جوعاً او مرضاً'. انها عبارة أبلغ من كل بيانات وزراء الخارجية العرب ومؤتمرات قممهم.. آسف لا مجال للمقارنة... لله درهم انهم لمنتصرون حتماً، واسود غزة سيقاومون حتما حتى وهم داخل قفصهم، فهاهم يصمدون ستة ايام تحت جحيم النيران والقنابل.. مئة طن من المتفجرات القيت عليهم في اكواخهم المتهالكة، ومع ذلك لم يرفعوا رايات الاستسلام، وواصلوا اطلاق الصواريخ دون توقف، وواصلوا في الوقت نفسه دفن شهدائهم بإباء وشمم، انهم من اشرف شعوب الارض قاطبة"
عبد الباري عطوان
"فشل وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير في القاهرة باتخاذ اي موقف للتصدي للعدوان الاسرائيلي المستمر على قطاع غزة يؤكد النظرية التي تقول بأن هذا العدوان جاء نتيجة تنسيق ومباركة مع دول عربية نافذة، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية. وهما الدولتان اللتان عارضتا بقوة عقد مؤتمر قمة طارئ لبحث الأوضاع في قطاع غزة، متعذرتين بالانقسام الفلسطيني.
هذا الاجتماع كان بمثابة فرصة نادرة لممثلي النظام الرسمي العربي لابراء ذمتهم من تهمة التواطؤ مع العدوان، ولكنهم أكدوا التهمة، بل وتفاخروا بها، وأعلنوا الاستمرار فيها، لاعطاء الطائرات والدبابات الاسرائيلية ما تحتاجه من وقت، وغطاء عربي، لاكمال مهمتها في إبادة أكبر عدد ممكن من أبناء قطاع غزة.
العدوان الاسرائيلي دخل يومه السادس، والطائرات الاسرائيلية من كل الأنواع والأحجام تواصل القاء حممها على المدنيين ومنازلهم، ولكن هذه الآلة العسكرية الجبارة فشلت في وقف اطلاق الصواريخ، بل زادت من أعدادها، وباتت تصل إلى العمق الاسرائيلي.
هذه الصواريخ 'العبثية'، كما يدعي 'عرب الاعتدال' اصبحت تشل الحياة في سبع مدن اسرائيلية كبرى مثل أسدود وعسقلان وبئر السبع، وتدفع بحوالى مليون اسرائيلي إلى الملاجئ،
.....
مشكلة النظام العربي الرسمي انه يصدّر ازماته الى الآخرين لحلها، فقد اراد من امريكا ان تخلصه من نظام حكم صدام حسين، ويريد الآن من اسرائيل ان تخلصه من المقاومة الاسلامية في غزة، وهو جاهز لدفع التكاليف كافة، مع قيمة الخدمة المضافة، مع الفوائد المصرفية ايضاً. فكم هم كرماء مع امريكا واوروبا وربما مع اسرائيل ايضا.
.....
اسرائيل انتصرت على جيوش ثلاث دول عربية في ستة أيام، عبر سلاحها الجوي، واستخدام الحد الأدنى من الدروع في هزيمة عام 1967. وها هي تعترف الآن بأن القصف الجوي لن يحسم حربها مع حركات المقاومة في غزة، رغم غارات الترويع التي تشنها على الأبرياء والتي لم تقتل مجاهداً واحداً من قوات القسام او سرايا القدس او اللجان الشعبية او كتائب الأقصى. فقد تعلمت هذه الكتائب جميعاً من تجربة 'حزب الله'، ولجأت الى الارض تحتمي بأنفاقها انتظاراً للحرب الحقيقية.
وهذا ما يفسر عدم مشاهدتنا مجاهداً واحداً في الشوارع ملوحاً ببندقيته، مثلما كان عليه الحال في الماضي، فهم ينتظرون الهجوم البري على أحرّ من الجمر، او هكذا نعتقد.
لا نستطيع ان نتنبأ بنتائج اي مواجهة برية، ولكن ما يمكن قوله هو ان الدبابات الاسرائيلية لم تستطع ان تتقدم بضعة امتار عندما وصلت الى ابواب المنطقة الغربية في بيروت اثناء اجتياح صيف عام 1982.
....
رجال المقاومة المدافعون عن اهلهم وعرضهم في غزة قد يكونون امام معجزة صمود جديدة، مرشحة لكي تشعل الشارع العربي بالمظاهرات والمواجهات مع قوات الحكومات العربية المتواطئة، و'المضبوعة' من اسرائيل وامريكا.
فالأمتان العربية والاسلامية تنتظران الشرارة التي قد تُحدث التغيير الذي يعيد اليها كرامتها وعزّتها، ويمحو عار الهزائم من تاريخها الحديث.
....
ما اجمع عليه جميع من اتصلت بهم، هو انتصارهم للمقاومة، واستعدادهم للتضحية دفاعاً عن قطاعهم المستهدف. وما لفت نظري اكثر، انهم لم يسألوا هذه المرة عن الجيوش العربية، ولم يوجهوا اي لوم لأحد. ربما لأنهم يئسوا، وربما لأن عزة نفسهم ابت عليهم العتاب، ربما لأنهم يترفعون بكبر عن الصغائر.
عبارة واحدة ظلت تتردد في أذني، قالها احد اطفال ابن اخي، 'يا عم نموت واقفين دفاعاً عن عرضنا وكرامتنا برصاص الاسرائيليين او شظايا صواريخهم اشرف من ان نموت جوعاً او مرضاً'. انها عبارة أبلغ من كل بيانات وزراء الخارجية العرب ومؤتمرات قممهم.. آسف لا مجال للمقارنة... لله درهم انهم لمنتصرون حتماً، واسود غزة سيقاومون حتما حتى وهم داخل قفصهم، فهاهم يصمدون ستة ايام تحت جحيم النيران والقنابل.. مئة طن من المتفجرات القيت عليهم في اكواخهم المتهالكة، ومع ذلك لم يرفعوا رايات الاستسلام، وواصلوا اطلاق الصواريخ دون توقف، وواصلوا في الوقت نفسه دفن شهدائهم بإباء وشمم، انهم من اشرف شعوب الارض قاطبة"
No comments:
Post a Comment