Monday, January 19, 2009

الرابحون والخاسرون في حرب غزة

الرابحون والخاسرون في حرب غزة

عبد الباري عطوان

".....
اولا: الخسارة الاسرائيلية هي الأضخم، ان لم يكن عسكريا، فسياسيا بكل تأكيد، فبعد اكثر من ثلاثة اسابيع لم يخرج المقاومون من انفاقهم رافعين الرايات البيضاء، متوسلين وقف اطلاق النار، ولم تتوقف الصواريخ، ولم يخرج شعب قطاع غزة، رغم فجيعته الكبرى في مسيرات بين انقاض منازله المدمرة مطالبا بطرد سلطة 'حماس' وعودة سلطة رام الله ورجالاتها. القيادة الاسرائيلية، ذهبت الى واشنطن، وهي القوة الاقليمية العظمى، لتوقع اتفاقا امنيا معها لمراقبة تهريب الاسلحة الى القطاع. وظهرت امام العالم بأسره كقوة مكروهة متعطشة لمص دماء ضحاياهم من الاطفال والمدنيين في حرب يجمع انصارها انفسهم بأنها لم تكن ابدا شبه متكافئة.
اسرائيل خسرت الجزء الاكبر من الرأي العام العالمي، مثلما خسرت اصدقاءها العرب، وقتلت عملية السلام، وشجعت التطرف،
......
ثانيا: خرج النظام المصري الخاسر الاكبر عربيا، وخسر دوره كوسيط، بعد ان خسره كقوة اقليمية رائدة، وتعرض لطعنات قاتلة ومهينة من اقرب حلفائه، الامريكان والاسرائيليين، وتمثل ذلك في امرين اساسيين، الاول توقيع تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل ونظيرتها الامريكية كوندوليزا رايس اتفاقا امنيا بمراقبة الحدود المصرية مع قطاع غزة، ومنع التهريب، دون التشاور مع الحكومة المصرية، او حتى اطلاعها على تفاصيل هذه الاتفاقية، مما يؤكد ان دور نظام مصر هو التابع المؤدي للخدمات بمقابل، وليس الحليف الاستراتيجي المحترم
.....
ثالثا: السلطة الفلسطينية في رام الله تهمشت بشكل مفجع، ليس بالنسبة الينا، وانما بالنسبة الى المسؤولين فيها، فقد خسرت تأييد نصف العرب على الاقل، ودول اسلامية عظمى مثل تركيا وايران واندونيسيا، ولم تتحقق احلامها في العودة الى قطاع غزة، واستمرارها في رام الله بصورتها وتركيبتها الحالية بات موضع شكوك. وجاء خطاب رئيسها محمود عباس في قمة شرم الشيخ انعكاسا واضحا لهذه الحقيقة، فقد كان الأقصر والأضعف من بين جميع الخطابات، لم يتحدث عن معاناة ابناء القطاع، ولم يطالب بفتح المعابر، ولم يكشف عن خيبة امله في عملية سلام فشل رهانه عليها.
رابعا: مني ما يسمى بمحور الاعتدال العربي بضربة موجعة في مصداقيته، او ما تبقى منها، امام مواطني بلدانه، عندما تهرب من القيام بأي تحرك فعلي، وظهر بمظهر المتورط المشارك في العدوان، سواء بتصدير الازمة الى مجلس الامن الدولي، او بعرقلة عقد قمة عربية طارئة، وتمسكه بمبادرة مصرية رمت بها اسرائيل في سلة المهملات، وأدارت الظهر لها ولصاحبها.
....
صمود اهل قطاع غزة حقق معجزة في زمن قلّت فيه المعجزات، مع اعترافنا بالثمن الباهظ لهذا الصمود. فالعالم كله منشغل حاليا في كيفية توفير الامن والحماية للاسرائيليين، وايجاد الطرق والوسائل وتوفير المعدات المتقدمة لمنع تهريب الاسلحة الى الصامدين المحاصرين في هذا القطاع الصغير في مساحته الكبير في عزيمة ابنائه.
هذا العناد في التمسك بالثوابت، وفي رفض الاستسلام هو الذي تخشاه اسرائيل وقيادتها وشعبها، فإذا كان هؤلاء صمدوا ثلاثة اسابيع، ولم يخرج واحد منهم على شاشات التلفزة يندد بالمقاومة،
....
حرب غزة اعادت القضية الفلسطينية الى الواجهة مجددا، وجبّت كل ما قبلها من مفاوضات عبثية، وعملية سلام مزورة، وقيادات متخاذلة، وما يسمى بحل الدولتين، وعززت ثقافة المقاومة، وكشفت عن المعدن الصلب المقاوم للشعب الفلسطيني، مثلما اعادت احياء الشارع العربي، والتلاحم بين ابنائه والتفافه حول قضيته المركزية، وتوسيع الفجوة بينه وبين الانظمة الدكتاتورية العاجزة، فاقدة الارادة والسيادة التي تحكمه.
مسرحية مؤتمر شرم الشيخ لن تنقذ النظام الرسمي العربي من مأزقه، ولن تعيد له شرعيته ومصداقيته لان هذا النظام بات فاقد الكرامة والشرعية، بعد ان سحبهما منه شهداء غزة، واحتجاجات الشرفاء، وهم الغالبية، داخل مصر المحروسة، والعواصم العربية الاخرى
."

No comments: