زهير أندراوس
Arabs48
"عندما تتوصل من تُطلق على نفسها القيادة الفلسطينية إلى اتفاق مع أركان دولة الاحتلال حول قضية الأمن والحدود، وهذا الأمر صعب المنال، فإنّها عمليًا تُحوّل الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية وبين الصهيونية وصنيعتها إسرائيل إلى نزاع بين كيانين مستقلين، أوْ قُل بين دولتين، إلى صراع على الحدود، وبالتالي فإنّ باقي القضايا العالقة مثل اللاجئين والقدس المحتلة والمياه أوْ بالأحرى سرقة المياه العربيّة والفلسطينيّة من قبل الدولة العبرية، تُسقط من الأجندة، وهذا التوجه من قبل من سرقوا القرار الفلسطيني في أكبر عملية سطو غير مسلح في القرن الـ21 على آمال وطموحات شعب يحمل قضية عادلة، شعب تعرض للترحيل والغبن والظلم وما زال، هو تحصيل حاصل لقيادة أدمنت على المفاوضات مع الاحتلال، وحالة الإدمان التي نحن بصددها وصلت إلى نقطة اللا عودة، إلى الحضيض، ولا يوجد على هذه البسيطة مراكز إقلاع عن هذا الإدمان.
سلطة رام الله، حوّلت الاحتلال إلى أرخص احتلال، لا بل أكثر من ذلك، لأوّل مرّة في التاريخ المعاصر، وأيضًا القديم، يصبح المحتل صديقًا حميميًا لقيادة الشعب الذي يئن تحت نير الاحتلال، ومن هنا فإنّ السبيل إلى الانحدار لأسفل درك في سقف التنازلات كان وما زال معبدًا، فالمعادلة التي أصبحت نبراسًا تحتدي به قيادة الثنائي غير المرح بالمرّة، محمود عبّاس وسلام فيّاض، تقول بالحرف الواحد: تخفيض سقف المطالب الفلسطينية في ما يُسمى بالمفاوضات السلمية مع الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل وبين أركان السلطة الوهمية في رام الله المحتلة.
وبالمقابل فإنّ الرقم الصعب والقوي في المعادلة، واشنطن وتل أبيب، يرفع سقف شروطه إلى ما لا نهاية، أيْ أنّ الفارق بينهما بات كبيرًا للغاية، ومن الصعب، إنْ لم يكن مستحيلاً، جسر الهوات بين الطرفين، فإسرائيل المارقة بتفوقٍ وامتيازٍ، والمدعومة بالموقف الأمريكي المنحاز والأوروبي المنافق، لن تتنازل قيد أنملة عن موقفها الرافض لأيّ تنازل على الأرض وعن الأرض، كما أنّ أمريكا أعلنت بعظمة لسان وزيرة خارجيتها، هيلاري كلينتون، عن فشلها في إقناع إسرائيل بتمديد فترة تجميد النشاط الاستيطاني الجزئي في الضفة الغربيّة لمدة ثلاثة أشهر، ليس لأنّها غير قادرة على ذلك، بل لأنّها ليست معنية بإيجاد حلٍ عادلٍ أوْ شبه عادل ومنصف للقضية الفلسطينية، إنّها، أيْ أمريكا، أدخلت نظريًا وعمليًا النزاع إلى مرحلة التصفية، تصفية القضية الفلسطينية بالمزاد العلني، وبالتالي فإننّا مقدمون على مرحلةٍ صعبةٍ للغاية، مرحلة ما بعد الثورة، وما قبل الدولة، وفي هذا الحيّز ستناور الإدارة الأمريكية لتصفية قضية شعب الجبّارين، الذي حوّله عبّاس وفيّاض، إلى شعب المتسّولين، إلى شعبٍ يعيش على المعونات المقدّمة من الدول المانحة، إلى شعب ينتظر الحصول على راتبه الشهري من الغرب الاستعماري، مقابل التنازل عن ثوابته الوطنية، فالمعونات الاقتصادية القادمة من الدول الأوروبية هدفها ترويض الشعب الفلسطيني وخلق معادلة جديدة: لقمة العيش مقابل التفريط بالحقوق الفلسطينية، هذه الحقوق التي نصّت عليها الشرعية الدولية بقراراتها بدءًا من القرارين 181 (تقسيم فلسطين) و194 (حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذي شُردوا إبان النكبة)، وانتهاءً بالقرارين 242، بعد عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، والقرار 338، بعد حرب رمضان في العام 1973، وهذان القراران الأخيران أكدّا بما لا يدعو للشك أو للتأويل إلزام الدولة العبرية بالانسحاب من الأراضي العربية التي تمّ احتلالها في حربي 67 وـ73، وغنيُ عن القول إنّ إسرائيل لم تُنفذ أيّاً من القرارات، لا بل أكثر من ذلك، منذ أنْ تمّ زرعها في منطقة الشرق الأوسط من قبل الإمبرياليّة، وحتى يومنا هذا، لم تُطبق إسرائيل أكثر من ستين قرارًا صادرًا عن الجمعية العمومية ومجلس الأمن الدولي.
أمّا في ما يتعلق باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، والإعلان الدولة الفلسطينية من طرفٍ واحدٍ، كما يُلوّح قادة السلطة، فنقول أولاً: أمريكا ستستخدم حق النقض الفيتو لإجهاض المبادرة؛
ثانيًا، اتفاق أوسلو المأساوي بكل المقاييس يؤكد على أنّ الطرفين اللذين وقّعّا عليه لا يحق لهما القيام بخطوات أحادية الجانب، ولا نعتقد أنّ القيادة الحالية مستعدة لدفن أوسلو، مع أنّ إكرام الميت دفنه؛
ثالثًا، حتى لو طرحت القيادة الفلسطينية إعلان الدولة على الهيئة العامة للأمم المتحدة، فإنّ واشنطن ستستعمل نفوذها وتأثيرها على الدول الأعضاء، وتجبر الدول المرتبطة بها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا على التصويت ضدّ القرار، وبالتالي فإنّ تهديد القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى المؤسسات الدولية ما هو إلا ذر للرماد في العيون، ولا يختلف عن الطبيب المبتدئ الذي يعطي الشخص الذي يعاني من مرض عضال، مسكنات للأوجاع.
بكلمات أخرى، القيادة الفلسطينية تكذب أولاً على نفسها، وهذه ليست كارثة، لأنّ هذه القيادة تعودّت على عدم قول الحقيقة، إنّها بذلك تكذب على الشعب الفلسطيني، وهذه مأساة وفق كل المعايير الوطنية والأخلاقيات واللباقة السياسية (Political Correct).
على ضوء هذه المعطيات، نسأل ما العمل؟ نعتقد أنّه آن الأوان لتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية بدون رتوش: الخلاف الفلسطيني بين حماس وفتح يجب أنْ ينتهي الآن، الآن وليس غدًا، فالقضية الفلسطينية، التي أُدخلت إلى مرحلة التصفية النهائية في ماراتون المؤامرات، تُحتم على الطرفين عقد راية الصلح، والترفع عن الخلافات والتنصل من التحالفات مع دولٍ إقليمية، كما أنّه من الأهمية بمكان، الإشارة إلى أنّ قضية شعبنا أكبر وأنبل من الحركتين كلاً على حدة وأيضًا مجتمعتين، وحماس تتحمل أيضًا مسؤولية تاريخية في هذه المرحلة المفصلية، وأمام التحديات الجسام، عليهما التفكير بمصير شعبٍ يتعذب ويُذبح ويُهجّر منذ أكثر من 62 عامًا، والاتفاق بين الحركتين يجب أنْ يكون ركنه الأساسي حلّ السلطة الوهمية واغتيال حالة السراب التي تعيشها، مضافًا إلى التأكيد على التمسك بالثوابت الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة، ورفض يهودية إسرائيل للمحافظة على الجزء المرابط على أرضه داخل ما يُسمى بالخط الأخضر (عرب الـ48)، والاتفاق ليس بعيد المنال إذا كانت النوايا صادقة، وبعد التوصل إليه، يجب إبلاغ الشعب الفلسطيني أولاً؛ والمجتمع الدولي ثانيًا؛ والدول العربيّة ثالثًا؛ وإسرائيل رابعًا؛ بحل السلطة الفلسطينية، وإعادة الاحتلال إلى احتلال والمقاومة إلى مقاومة.
نعم، لقد أهدرت القيادة نحو عشرين عامًا بعد كارثة أوسلو في مفاوضات عبثية، ولكن حتى لا نواصل الانزلاق في البئر الذي لا أرضية له، على جميع الفصائل الفلسطينية، ممثلة بقادتها، عقد اجتماع طارئ والتصريح بأنّ الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه المشروعة، لأنّ استمرار الوضع الحالي، طحن الماء، وميتشيل سري مري، سيمنح الأطراف القوية في المعادلة الفرصة لنهش ما تبقى من فلسطين، هذا إذا تبقى شيء. "
Arabs48
"عندما تتوصل من تُطلق على نفسها القيادة الفلسطينية إلى اتفاق مع أركان دولة الاحتلال حول قضية الأمن والحدود، وهذا الأمر صعب المنال، فإنّها عمليًا تُحوّل الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية وبين الصهيونية وصنيعتها إسرائيل إلى نزاع بين كيانين مستقلين، أوْ قُل بين دولتين، إلى صراع على الحدود، وبالتالي فإنّ باقي القضايا العالقة مثل اللاجئين والقدس المحتلة والمياه أوْ بالأحرى سرقة المياه العربيّة والفلسطينيّة من قبل الدولة العبرية، تُسقط من الأجندة، وهذا التوجه من قبل من سرقوا القرار الفلسطيني في أكبر عملية سطو غير مسلح في القرن الـ21 على آمال وطموحات شعب يحمل قضية عادلة، شعب تعرض للترحيل والغبن والظلم وما زال، هو تحصيل حاصل لقيادة أدمنت على المفاوضات مع الاحتلال، وحالة الإدمان التي نحن بصددها وصلت إلى نقطة اللا عودة، إلى الحضيض، ولا يوجد على هذه البسيطة مراكز إقلاع عن هذا الإدمان.
سلطة رام الله، حوّلت الاحتلال إلى أرخص احتلال، لا بل أكثر من ذلك، لأوّل مرّة في التاريخ المعاصر، وأيضًا القديم، يصبح المحتل صديقًا حميميًا لقيادة الشعب الذي يئن تحت نير الاحتلال، ومن هنا فإنّ السبيل إلى الانحدار لأسفل درك في سقف التنازلات كان وما زال معبدًا، فالمعادلة التي أصبحت نبراسًا تحتدي به قيادة الثنائي غير المرح بالمرّة، محمود عبّاس وسلام فيّاض، تقول بالحرف الواحد: تخفيض سقف المطالب الفلسطينية في ما يُسمى بالمفاوضات السلمية مع الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل وبين أركان السلطة الوهمية في رام الله المحتلة.
وبالمقابل فإنّ الرقم الصعب والقوي في المعادلة، واشنطن وتل أبيب، يرفع سقف شروطه إلى ما لا نهاية، أيْ أنّ الفارق بينهما بات كبيرًا للغاية، ومن الصعب، إنْ لم يكن مستحيلاً، جسر الهوات بين الطرفين، فإسرائيل المارقة بتفوقٍ وامتيازٍ، والمدعومة بالموقف الأمريكي المنحاز والأوروبي المنافق، لن تتنازل قيد أنملة عن موقفها الرافض لأيّ تنازل على الأرض وعن الأرض، كما أنّ أمريكا أعلنت بعظمة لسان وزيرة خارجيتها، هيلاري كلينتون، عن فشلها في إقناع إسرائيل بتمديد فترة تجميد النشاط الاستيطاني الجزئي في الضفة الغربيّة لمدة ثلاثة أشهر، ليس لأنّها غير قادرة على ذلك، بل لأنّها ليست معنية بإيجاد حلٍ عادلٍ أوْ شبه عادل ومنصف للقضية الفلسطينية، إنّها، أيْ أمريكا، أدخلت نظريًا وعمليًا النزاع إلى مرحلة التصفية، تصفية القضية الفلسطينية بالمزاد العلني، وبالتالي فإننّا مقدمون على مرحلةٍ صعبةٍ للغاية، مرحلة ما بعد الثورة، وما قبل الدولة، وفي هذا الحيّز ستناور الإدارة الأمريكية لتصفية قضية شعب الجبّارين، الذي حوّله عبّاس وفيّاض، إلى شعب المتسّولين، إلى شعبٍ يعيش على المعونات المقدّمة من الدول المانحة، إلى شعب ينتظر الحصول على راتبه الشهري من الغرب الاستعماري، مقابل التنازل عن ثوابته الوطنية، فالمعونات الاقتصادية القادمة من الدول الأوروبية هدفها ترويض الشعب الفلسطيني وخلق معادلة جديدة: لقمة العيش مقابل التفريط بالحقوق الفلسطينية، هذه الحقوق التي نصّت عليها الشرعية الدولية بقراراتها بدءًا من القرارين 181 (تقسيم فلسطين) و194 (حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذي شُردوا إبان النكبة)، وانتهاءً بالقرارين 242، بعد عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، والقرار 338، بعد حرب رمضان في العام 1973، وهذان القراران الأخيران أكدّا بما لا يدعو للشك أو للتأويل إلزام الدولة العبرية بالانسحاب من الأراضي العربية التي تمّ احتلالها في حربي 67 وـ73، وغنيُ عن القول إنّ إسرائيل لم تُنفذ أيّاً من القرارات، لا بل أكثر من ذلك، منذ أنْ تمّ زرعها في منطقة الشرق الأوسط من قبل الإمبرياليّة، وحتى يومنا هذا، لم تُطبق إسرائيل أكثر من ستين قرارًا صادرًا عن الجمعية العمومية ومجلس الأمن الدولي.
أمّا في ما يتعلق باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، والإعلان الدولة الفلسطينية من طرفٍ واحدٍ، كما يُلوّح قادة السلطة، فنقول أولاً: أمريكا ستستخدم حق النقض الفيتو لإجهاض المبادرة؛
ثانيًا، اتفاق أوسلو المأساوي بكل المقاييس يؤكد على أنّ الطرفين اللذين وقّعّا عليه لا يحق لهما القيام بخطوات أحادية الجانب، ولا نعتقد أنّ القيادة الحالية مستعدة لدفن أوسلو، مع أنّ إكرام الميت دفنه؛
ثالثًا، حتى لو طرحت القيادة الفلسطينية إعلان الدولة على الهيئة العامة للأمم المتحدة، فإنّ واشنطن ستستعمل نفوذها وتأثيرها على الدول الأعضاء، وتجبر الدول المرتبطة بها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا على التصويت ضدّ القرار، وبالتالي فإنّ تهديد القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى المؤسسات الدولية ما هو إلا ذر للرماد في العيون، ولا يختلف عن الطبيب المبتدئ الذي يعطي الشخص الذي يعاني من مرض عضال، مسكنات للأوجاع.
بكلمات أخرى، القيادة الفلسطينية تكذب أولاً على نفسها، وهذه ليست كارثة، لأنّ هذه القيادة تعودّت على عدم قول الحقيقة، إنّها بذلك تكذب على الشعب الفلسطيني، وهذه مأساة وفق كل المعايير الوطنية والأخلاقيات واللباقة السياسية (Political Correct).
على ضوء هذه المعطيات، نسأل ما العمل؟ نعتقد أنّه آن الأوان لتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية بدون رتوش: الخلاف الفلسطيني بين حماس وفتح يجب أنْ ينتهي الآن، الآن وليس غدًا، فالقضية الفلسطينية، التي أُدخلت إلى مرحلة التصفية النهائية في ماراتون المؤامرات، تُحتم على الطرفين عقد راية الصلح، والترفع عن الخلافات والتنصل من التحالفات مع دولٍ إقليمية، كما أنّه من الأهمية بمكان، الإشارة إلى أنّ قضية شعبنا أكبر وأنبل من الحركتين كلاً على حدة وأيضًا مجتمعتين، وحماس تتحمل أيضًا مسؤولية تاريخية في هذه المرحلة المفصلية، وأمام التحديات الجسام، عليهما التفكير بمصير شعبٍ يتعذب ويُذبح ويُهجّر منذ أكثر من 62 عامًا، والاتفاق بين الحركتين يجب أنْ يكون ركنه الأساسي حلّ السلطة الوهمية واغتيال حالة السراب التي تعيشها، مضافًا إلى التأكيد على التمسك بالثوابت الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة، ورفض يهودية إسرائيل للمحافظة على الجزء المرابط على أرضه داخل ما يُسمى بالخط الأخضر (عرب الـ48)، والاتفاق ليس بعيد المنال إذا كانت النوايا صادقة، وبعد التوصل إليه، يجب إبلاغ الشعب الفلسطيني أولاً؛ والمجتمع الدولي ثانيًا؛ والدول العربيّة ثالثًا؛ وإسرائيل رابعًا؛ بحل السلطة الفلسطينية، وإعادة الاحتلال إلى احتلال والمقاومة إلى مقاومة.
نعم، لقد أهدرت القيادة نحو عشرين عامًا بعد كارثة أوسلو في مفاوضات عبثية، ولكن حتى لا نواصل الانزلاق في البئر الذي لا أرضية له، على جميع الفصائل الفلسطينية، ممثلة بقادتها، عقد اجتماع طارئ والتصريح بأنّ الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه المشروعة، لأنّ استمرار الوضع الحالي، طحن الماء، وميتشيل سري مري، سيمنح الأطراف القوية في المعادلة الفرصة لنهش ما تبقى من فلسطين، هذا إذا تبقى شيء. "
No comments:
Post a Comment