Sunday, April 17, 2011

ثورة العرب تعلو فوق فتن التمزيق


A VERY GOOD ARTICLE (Arabic)
By Professor Abdel-Sattar Qassem


"تمزق الدولة القُطرية
أمراء الفئوية الاجتماعية والسياسية
الفتنة أشد من القتل
أخلاق الثائرين العرب
صناعة التاريخ
اعتمدت الأنظمة العربية عبر سنيّها سياسة "فرق تسد" من أجل إطالة أمد حكمها، وإحكام سيطرتها على الناس ومقدراتهم المختلفة. لم تنجح هذه الأنظمة منذ استلامها الحكم في تنفيذ وعودها للجماهير والتي تتلخص في إقامة العدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والأمان للناس، وتحقيق الازدهار والتقدم؛ وإنما نجحت بتفوق في تحقيق الهزائم والإحباطات والتخلف في مجالات الحياة. وكان عليها أن تتبع العديد من السياسات التي من شأنها تورية الفشل، وصد الناس عن الثورة، وتخويفهم من التمرد والعصيان، فكانت الأجهزة الأمنية الطاغية، والحرب الاقتصادية على المعارضين، وسياسة التمزيق الاجتماعي وتفتيت النسيج الأخلاقي. لم تكن الأنظمة وحدها هي التي حرصت على سياسة "فرق تسد"، وإنما ساعدتها في ذلك قيادات طائفية ومذهبية وقومية وحزبية حرصا منها على مصالحها واستمرارها في السيطرة .... بوجود هذه الأنظمة العربية والقيادات الطائفية والمذهبية، لم يفشل العرب فقط في إقامة الوحدة القومية، وإنما فشلوا أيضا في وحدة الدولة القُطرية .... أثار كل نظام عربي مع كل مأزق سياسي أو اجتماعي مرّ به الثارات القديمة بين القبائل والطوائف والمذاهب، وعملت أجهزة الأمن وعلى رأسها أجهزة المخابرات على بث الفتن والمنازعات والاقتتال من أجل أن يكون النظام السياسي هو المرجعية وهو الحكم، وهو الأب الحاني الساهر على راحة المواطن .... لم يختلف زعماء الطوائف والقبائل والمذاهب والأحزاب عن الحكام كثيرا. أحاط كل زعيم من هذه المكونات السياسية والاجتماعية والدينية بمجموعته، وأوهمهم بأنه يدافع عن مصالحهم وبقائهم، ويحفظ لهم حقوقهم .... لقد تحولت الأحزاب مع الزمن إلى مجرد هياكل فارغة من المحتوى، تساهم مباشرة في تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي. وخير دليل على ذلك هو تخلفها عن الثورات العربية التي انطلقت دون درايتها .... كنت من الذين واجهوا شعار الفتنة أشد من القتل عندما صدر بيان العشرين في فلسطين والذي انتقد الفساد الذي نشرته السلطة الفلسطينية. لقد أخرجت السلطة جماهيرها المؤيدة لها في مدينة رام الله عام 1998 تندد بالفضيحة التي تحدث عنها البيان، وتدعو الناس إلى عدم السير بالفتنة. لقد استعملوا الدين للكذب على الناس ولإغراقهم بالمزيد من الفتن والفوضى والتيه والضياع، والناس لم يتحركوا دفاعا عن مصالحهم لأن رجل الدين الضال كان قد شرح لهم بأن مواجهة المسؤول الظالم والفاسد عبارة عن فتنة ..... كانت أخلاق الثائرين العرب بارزة في مختلف الثورات العربية، ومتفوقة حضاريا على أخلاق آخرين يعيشون حالات من الاستقرار والرخاء ..... (لو) عدنا في التاريخ إلى الوراء لنقارن الثورة الفرنسية بالثورة التونسية أو الثورة المصرية لوجدنا الفارق الهائل في الأداء والإدارة والتوجه. لقد غيرت الثورة الفرنسية وجه أوروبا، لكن دما كثيرا قد نزف في فرنسا ودول غربية أخرى، واشتعلت حروب حصدت الأخضر واليابس. وإذا نظرنا إلى إسبانيا وطريقتها في التغيير لوجدنا أن سفك الدماء كان عنوان المختلفين والمتصارعين. أما شباب العرب فتصرفوا بمسؤولية وحرص شديدين يندر أن يكون لذلك مثيل في التاريخ ..... منذ اليوم الأول لمظاهرات تونس، وشباب العرب يصرون على الوحدة الداخلية ورفض التجزئة القبلية والطائفية وما شابه ذلك. لقد خرج الشباب متظاهرين بصوت واحد ينادي بحقوق للجميع بدون استثناء أو تمييز. وقد أكد شباب مصر على هذا عندما أقروا بأنهم جميعا مصريون لا يفرقهم مذهب أو دين. تظاهر المسيحيون والمسلمون، ولم تشكل صلاة أي مجموعة في ميدان التحرير أي تحفظ أو ضغينة، بل كانت الصلوات رمزا للوحدة ..... لكن الأسمى تمثل في العراق إذ اكتشف العراقيون أن جريهم وراء أمراء الطوائف والمذاهب والقبائل والأحزاب قد أذاقهم الويلات والفقر والذل والهوان، واكتشفوا أن ثرواتهم قد تبخرت، ووحدتهم قد تفككت، وزعماءهم ما زالوا يحرضون على الفساد والفتن. لقد خرج العراقيون من شمال العراق حتى جنوبه ينادون بحقوقهم التي أضاعها أصحاب المصالح من القادة والزعماء. ومن الوارد جدا أن يستعيد العراق وحدته ووئام أبنائه بفضل إصرار الشباب على طرد الاحتلال وإزاحة الفاسدين الذين لا ينتعشون إلا بسفك الدماء وبث بذور الفرقة والاقتتال. .... الحاكم العربي يفتح النار على المتظاهرين المسالمين من أجل كرسي الحكم، والعربي يواجه الرصاص بصدر عار دفاعا عن الأمة. هذا زعيم عربي يبيع أمته وشعبه في سوق النخاسة، وهذا شاب عربي يصر على كرامة أمته وعزتها وتقدمها ..... لم يشهد التاريخ صبرا جماهيريا ومثابرة وإصرارا كما هو الحال في البلدان العربية. تمر الأشهر الطوال، وفي فصل الشتاء البارد، والشباب لا يبرحون أماكنهم، ولا يغادرون مطالبهم. وتضطر في النهاية الحكومات المؤقتة أن تلبي المطالب، وتكرر تأكيد حرصها على السير تدريجيا في تحقيق المطالب. ويلاحظ هنا أن شباب العرب لم يبيعوا أنفسهم لنظام. لقد اعتدنا في الساحة العربية على قادة أحزاب وقبائل وطوائف يبيعون أنفسهم للنظام لقاء مال أو جاه أو منصب، وعلى حكام يبيعون أنفسهم لدول أخرى مثل أميركا وإسرائيل، لكن الثورات العربية لم تشهد شبابا يبيعون قضاياهم ومبادئهم للأنظمة العربية. لقد أنِفوا كل الإغراءات والمغريات، واستمروا ثابتين لا يهابون الانتقام والتنكيل .... "

No comments: