Saturday, March 14, 2009

عزمي بشارة يكتب: التفكير الأميركي الجديد ومراجعة نهج التسوية


A Great Piece

By Azmi Bishara (Arabic)

"كنا رأينا أن تسلسل الأحداث من العدوان على لبنان وحتى العدوان على غزة والانطباع الذي خلفته في النفوس، وعزلة قوى التسوية شعبيا، تصلح كلها أساسا لمراجعة نهج التسوية، ولمحاصرته عربيا.

ولكن طبعا لا مفر من التساؤل عن جاهزية القوى المعارضة للتسوية لاقتناص الفرصة التاريخية لمراجعة التسوية، وعدم الخضوع بسرعة لمحاولات الاحتواء الجارية، إذ يبدو أن أميركا وحلفاءها في الغرب والشرق يتعرضون لنفس توارد الأفكار، ولكن على شكل هواجس أو مخاوف من ضياع إرث التسوية، وتشهد المنطقة هجمة أميركية غربية دبلوماسية منذ مؤتمر شرم الشيخ لإعادة الإعمار وحتى اليوم.

كانت الإدارة الأميركية السابقة قد وصلت إلى استنتاج مفاده أن قيادة السلطة الفلسطينية وحدها عاجزة عن الولوج إلى صفقة حل دائم مع إسرائيل بشروط الأخيرة وعن ضبط الساحة الفلسطينية في الوقت ذاته.

ولذلك "شجعت" الدول العربية التابعة لها على أخذ دور أكثر فاعلية وأكثر صرامة في دعم عملية التفاوض الجارية وتقوية الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وفي مناهضة ومحاصرة نهج المقاومة فلسطينيا وإقليميا. وكان لها ذلك في أنابوليس وغيرها. لكنها لم تأخذ مصالح الدول التابعة لها بعين الاعتبار
.....
أما النظام في مصر فكان لحظة التحول في السياسة الأميركية متورطا في معركة معاكسة. وتتلخص هذه في إقناع الولايات المتحدة والغرب أنه لا شيء ممكن على المسار الفلسطيني الإسرائيلي دون دوره، وبقي متورطا في هذه المعركة خاصة إزاء الواقع الجغرافي الذي يفرض هذا النظام على قطاع غزة.

وما زال هذا النظام يرى في استيعاب الغرب لهذه الحقيقة مصدر قوة له في الاصطفاف الإقليمي. وقد وصل ذروة تورطه في محاصرة غزة، وأثناء الحرب الأخيرة عليها
وقد استغل الواقع الجغرافي لتحقيق أكبر التفاف رسمي عربي ودولي ممكن حول الدور المصري.. كما استغل تبعات الحرب في فرض الحوار على مضض وبوصاية تشمل إلقاء المحاضرات في القيادات الفلسطينية عن واجباتها وعن مصلحة الشعب الفلسطيني، فيما يعرف الجميع ما يشعر به الجميع وهم يستمعون إلى هذه المحاضرات المبثوثة تلفزيونيا. المسافة من التهديد بتكسير أرجل لمن يخرق الحصار وحتى وعظ الفلسطينيين عن مصلحتهم الوطنية هي مسافة بعيدة جدا.
.....
وترى الإدارة الجديدة أن السلطة الفلسطينية أثبتت نفسها في ضبط الأمن في الضفة خلال الحرب على غزة. كما ترى إسرائيل ذلك وتعتبره أولَّ حصاد جدي لأوسلو، وإثباتا لإدعاءاتها السابقة حول عدم جدية عرفات في مسألة التنسيق الأمني.

لقد تغيرت طبيعة القيادة الفلسطينية منذ اغتيال عرفات، وتغيرت طبيعة وعقيدة الأجهزة، وطبيعة التنسيق بعد أن توقفت إسرائيل عن أن تكون عدوا وأصبحت شريكا فعليا. هذه سلطة تستحق الدعم برأي الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن الدعم المقصود لا يرقى إلى تلبية مطالب الشعب الفلسطيني، بل يقتصر على الدعم المالي والأمني، وهو ما يسمى " بناء القدرة والكفاءة".
....
يعدد كيري أربعة أسباب للأمل، وذلك رغم انتخاب نتنياهو، ورغم الحروب. وسوف نرى أنه لا يأمل فعلا بحل بل هو متفائل بإمكانية التوصل إلى "خارطة طريق" جديدة:

1- لقد أدى صعود إيران إلى "استعداد غير مسبوق لدى الدول العربية المعتدلة للتعاون مع إسرائيل".. وسوف يؤدي ذلك برأيه إلى إرساء أساسٍ متينٍ للمضي نحو السلام.. أي أن التعاون الاستراتيجي الإسرائيلي العربي يسبق السلام. هنا طبعا يُسْأَل السؤالُ: ما حاجة إسرائيل إلى حلول مع من بات يتعاون معها إستراتيجيا ضد أعداء مشتركين؟

2- يؤكد كيري على مبادرة السلام العربية.. فوجودها يشكل أساسا لبناء خارطة طريق إقليمية جديدة.. وتتضمن هذه الخارطة: "أن تلعب الدول العربية المعتدلة دورا أكثر نشاطا في صنع السلام".

3- يقول كيري، مثل كل ناشط متوسط في حزب العمل الإسرائيلي، وكما قال أولمرت نفسه في المقابلة الوداعية الشهيرة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" ( 13 أكتوبر/تشرين الأول 2008) بعد نزع الثقة عن حكومته في الكنيست: إن الخطوط العريضة للحل الدائم باتت واضحة. ويكمن التحدي برأيه في كيفية الوصول إلى هناك. وبرأيه يجب بناء "قوة وكفاءة" السلطة الفلسطينية في المجالين الاقتصادي والأمني بموازاة لأية مفاوضات تقود إلى الحل الدائم.

من الملفت هنا أن كيري يؤكد أن خطوط الحل الدائم باتت واضحة ولكنه لا يجرؤ على التعريف بها صراحة، والأهم أنه يجعل الطريق إليها هو الأساس. عدنا إلى: العملية كل شيء الهدف لا شيء، والحياة مفاوضات
.....
لقد وصلنا إلى انقلاب كامل في الموقف العربي. كان الموقف العربي القومي يقضي بأن فصل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي هو تآمر لتصفيتها. ووقع فصل القضية عن بعدها القومي في كامب ديفيد ثم في أوسلو، وتم التسليم به.

ولكن القيادة الفلسطينية فشلت داخليا وخارجيا في التوصل إلى حل مع إسرائيل. وعاد الاستنتاج فجأة بضرورة العودة إلى البعد الإقليمي ليس بسبب البعد القومي العربي، بل لأن الأخير لم يعد يشكل تهديدا
.....
ويضيف كيري في محاضرته حرفيا: إن "الدول العربية المعتدلة تتعاون اليوم مع إسرائيل بأشكال لم يكن ممكن تخيلها قبل سنوات معدودة
.....
هنا وفي إطار التنسيق مع دول الاعتدال وشرح واجباتها لها، تُدّسُّ فجأة في المحاضرة ملاحظة مقصودة ضد قطر. يقول كيري: "لا يمكن لقطر أن تكون حليفة للولايات المتحدة يوم الاثنين، وأن تدعم حماس بالمال يوم الثلاثاء"!!
....
المطلوب هو دعم السلطة اقتصاديا وأمنيا. وهذا يبدأ بمنع حماس من الاستفادة من إعادة بناء غزة لتجنب ما حصل مع حزب الله في لبنان. فالأخير استفاد من الحرب ومن إعادة الإعمار في الوقت ذاته
....
ربما يصلح الإطار المطروح أعلاه بما في ذلك تصويره عبر استعراض محاضرة كيري نقديا في فهم الهجمة الأميركية الحالية على المنطقة، وفي فهم بعض التحركات العربية التصالحية الطابع. ولا بد من العودة للتساؤل المطروح في بداية المقال عن إستراتيجية القوى المؤيدة لمراجعة نهج التسوية برمته، فحتى فترة قصيرة كان الظرف مؤات تحديدا لها، وليس لقوى التسوية
."

No comments: