"....
كان نشوء النظم القومية كنظم معادية للإمبريالية وتتمسك بالقضايا الوطنية مدخلاً
لانقلاب كبير أسقط المسألة الوطنية، وانبنى على التخلي عن كل ما هو وطني. وأصبح
الأعداء أصدقاء، ولمسنا تهافتاً كبيرا نحو "الغرب" ليس بالمعنى الثقافي الحضاري بل
بالمعنى السياسي. لقد وقعت في "غرام" عميق مع هذا الغرب، وباتت وهي تشعر بعجزها
المطلق تستدعي تدخله من منظور أنه الحليف و"الحبيب". "حالة عشق" ملتهبة فرضت أن
تتعامل معه على أنه هي، وأن تنظر للأمر وكأنها طفلته المدللة، وبالتالي باتت تابعة
أو مستلبة تجاهه.
لقد باتت في "حضن" هذا الغرب، وتعتقد بأنه
حليفها الذي سيحقق لها ما تريد، وأن عليها أن تقبل كل سياساته تجاهنا. أي أن تصبح
هي النظم القائمة، التي هي تابعة، أو تسير نحو التبعية.
هذا الوضع كان يجعل النخب في مسار "موجة
العولمة" واللبرلة، وفي سياق الاندماج من موقع تبعي مع القوى الإمبريالية التي زحفت
لتأكيد سيطرتها على المنطقة. كما كانت في سياق موازٍ لما تحققه النظم ذاتها فعلياً،
في الاقتصاد وفي الأيديولوجية.
لهذا ظهر أن الفارق يتمثّل فقط في الدمقرطة،
أي في ميلها لأن يكون لها دور "أيديولوجي" معبّر عن هذه النظم (أو بالتحديد عن
الطبقة الرأسمالية المسيطرة، والتي هي السلطة كذلك). ربما نقول إنها باتت تسعى إلى
تحقيق "استقلالها الأيديولوجي" عن السلطة لمصلحة خدمة الطبقة ذاتها. أي إيجاد
"متنفس" ديمقراطي يسمح بتحقيق هذه المسافة الضرورية بين السلطة كقوة قمع
والأيديولوجية التي تبرر هذه السلطة.
فهي تريد اللبرلة و"القطرية" و"حب الغرب"
لكنها تريد الدولة التي تستوعب ذلك من خلال بنيتها "الديمقراطية" بالتالي والتي
تستوعب "لغو" هؤلاء بالتحديد. فقد غدوا المنظرين للسياسات الواقعية لهذه النظم،
وإنْ كان ذلك يتحقق في شقاق معها.
الثورات أتت في السياق المعاكس، حيث إن
اللبرلة فرضت التهميش والإفقار والبطالة. والتبعية (أو الالتحاق بالإمبريالية) فرض
تعزيز الشعور الوطني، وأوجدت شعوراً بالترابط العام في كل المنطقة العربية. لهذا
جاء شعار إسقاط النظام في سياق تغيير النمط الاقتصادي الليبرالي، وتغيير تموضع
النظم في "المنظومة العالمية" وتحقيق الترابط العربي. لقد أصبح الوعي العام في تضاد
مع اللبرلة والإمبريالية، وأصبحت الثورة تهدف إلى تجاوز التبعية والالتحاق من أجل
تحقيق التطور.
بالتالي كان من الطبيعي ألا ترى النخب
تحوّلات الواقع، ووضع الشعب، وأن تمحور نشاطها من أجل "متنفس" (أو حتى ديمقراطية
أوسع) ومن ثم أن تكون تكميلاً لسياسات النظم "القومية" في مسارها "القطري" والتبعي
والاستسلامي.
هنا نلمس موت النخب.. الشعب ينهض من أجل
التغيير العميق الذي هو ليس في جدول أعمال هذه النخب."
No comments:
Post a Comment