رأي القدس
بمشاركة غير مسبوقة من خمس دول عربية، بدأت الولايات المتحدة فجر الثلاثاء حملة من الغارات الجوية على تنظيمات «داعش» و»جبهة النصر» و «خراسان» داخل الاراضي السورية، وسط انباء عن وقوع نحو اربعمئة شخص، بعضهم من المدنيين، بين قتيل وجريح.
انها لحظة كاشفة في الشرق الاوسط، تتداخل فيها حسابات، وتتقرر مسارات، وتتشكل او تنهار تحالفات، وتتضارب تقديرات وتوقعات في وقت استثنائي تختفي فيه حدود بل وتتوارى دول، لمصلحة حركات وتنظيمات.
وهذه محاولة لرسم خطوط «شبه واضحة» في مشهد اقليمي من «رمال متحركة» ازدادت لتوها عمقا، وخطرا ايضا، بعد هذا التطور الاخير.
اولا: من الواضح ان الحلف الامريكي العربي الذي يشن هذه الحملة الجوية يفتقد الى التناغم، ليس فقط بسبب الخلافات بين بعض اعضائه، ولكن لافتقاده لرؤية سياسية متماسكة للاهداف والوضع النهائي الذي من المفترض ان تصل اليه. وليس سرا ان المشاركة العربية في هذه الغارات تبقى «رمزية»، حتى لا تبدو الحرب مجرد عمل احادي امريكي آخر في المنطقة. وربما تكون المشاركة العربية مفيدة بالنسبة لبعض الدول حيث انها تقدم دليلا ماديا على انها تحارب الارهاب ولاتدعمه. الا ان السؤال البديهي هو ان كان العرب حصلوا على ضمانات محددة ان كانت واشنطن ستكمل الطريق حتى انتهاء المهمة حقا، ام انها ستهرب في منتصفه كما فعلت في العراق لتترك المنطقة بأسرها هذه المرة فريسة لانتقام داعش واخوانه؟
ثانيا: كان موقف وزير الخارجية السورية وليد المعلم من الغارات «مغرقا في سيرياليته»، اذ اعلنت وزارته انها «تبلغت بها من الولايات المتحدة قبل ساعات من شنها عبر طريقين»، واكدت على «تأييدها لاي جهد دولي لمحاربة الارهاب بشرطين هما احترام السيادة الوطنية، وتفادي قتل المدنيين»، وكلا الشرطين يثير كثيرا من السخرية والاسى في آن. فقد افترضت الخارجية السورية ان «ابلاغها» يعد نوعا من احترام «السيادة»، وهكذا لم يتضمن بيانها اعتراضا رسميا على الغارات، وهو ما يمنحها «شرعية ضمنية»، املا بالطبع في ان تكتشف الولايات المتحدة قريبا انها في حاجة الى دعم استخباراتي من النظام السوري لتنجح حربها الجديدة، وبالتالي تضطر الى ان تقيم معه اتصالات غير مباشرة، ما يعني اعادة تأهيل عملية للنظام. اما الشرط الثاني، فيكاد يندرج تحت بند (المضحك المبكي) حيث يتحدث النظام الذي قتل عشرات الآلاف من الابرياء عن «تفادي قتل المدنيين»، وكأنه يرفض ان يشاركه احد في هذا «الحق الالهي». انها قمة «البراغماتية» كالمعتاد من دمشق التي تعرف انها لا تستطيع تحمل فاتورة الاعتراض من ضرورة مواجهة هذه الغارات عسكريا، ثم انها لا تستطيع ان تقاوم «اغراء» المكاسب العسكرية التي ستجنيها من اضعاف اكبر التنظيمات المناهضة لها على الارض، حتى اذا ادت الحملة الى «تشققات سطحية» في علاقة النظام السوري مع حلفائه الذين اعلنوا معارضتهم للتدخل الامريكي (من حيث المبدأ) كما اكد حزب الله، او من دون «استئذان دمشق او غطاء من مجلس الامن»، وهو موقف روسيا وايران.
ثالثا: بالنظر الى المواقف الاقليمية، فان ايران ارادت للمشاركة في التحالف ثمنا لم تحصل عليه، في مفاوضاتها النووية، لكنها تراهن على انها «أكبر من أن يتجاهلها احد»، وهو ما قاله الرئيس العراقي نفسه في تصريحات امس. اما روسيا التي ايدت القرار الدولي 2170، فتبقى «رافضة» لكن في خانة الانتظار، اذ انها تحتاج الى موقف سوري واضح للبناء عليه ومواجهة التدخل الامريكي في الساحة الدولية، وهو ما لم يحدث حتى الآن. اما تركيا فتبقى «الرقم اللغز» في معادلة «التحالف» اذ اعلنت امس عدم سماحها باستخدام مجالها الجوي او قاعدة انجيرليك في شن الغارات، وكأنها تريد الحفاظ على «شعرة معاوية» مع داعش تجنبا لانتقامها. اما مصر، فيبدو موقفها متسقا مع رؤية اقليمية مختلفة عن الولايات المتحدة ودول الخليج ليس فقط بالنسبة لطبيعة الحرب ضد الارهاب وحدودها، بل وللوضع في سوريا بعد الغارات ايضا.
رابعا : ان الحملة الجوية تواجه تحديات قد تزداد صعوبة خلال المرحلة المقبلة، اذ ان (داعش) الذي يقوده بعض العسكريين المحترفين من الجيش العراقي السابق، ويملكون خبرة في كيفية مواجهة الغارات، قد يلجأ الى «الذوبان» في تجمعات سكانية، ما سيجعل التكلفة البشرية باهظة، وهنا سيتعين اللجوء الى قوات برية، وهو موضوع شائك من كافة اطرافه، بدءا من واشنطن التي استبعدته اصلا، الى المرجعية الشيعية في كربلاء التي بدأت بالفعل في التحريض ضده بوحي من الموقف الايراني. وحتى خيار الاستعانة بقوات عربية فيبقى اما غير ممكن، او غير مرحب به، وهو ما أعلنه صراحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وعندئذ قد تصل الحملة الى نهاية الطريق المسدود. وللحديث بقية.
وهذه محاولة لرسم خطوط «شبه واضحة» في مشهد اقليمي من «رمال متحركة» ازدادت لتوها عمقا، وخطرا ايضا، بعد هذا التطور الاخير.
اولا: من الواضح ان الحلف الامريكي العربي الذي يشن هذه الحملة الجوية يفتقد الى التناغم، ليس فقط بسبب الخلافات بين بعض اعضائه، ولكن لافتقاده لرؤية سياسية متماسكة للاهداف والوضع النهائي الذي من المفترض ان تصل اليه. وليس سرا ان المشاركة العربية في هذه الغارات تبقى «رمزية»، حتى لا تبدو الحرب مجرد عمل احادي امريكي آخر في المنطقة. وربما تكون المشاركة العربية مفيدة بالنسبة لبعض الدول حيث انها تقدم دليلا ماديا على انها تحارب الارهاب ولاتدعمه. الا ان السؤال البديهي هو ان كان العرب حصلوا على ضمانات محددة ان كانت واشنطن ستكمل الطريق حتى انتهاء المهمة حقا، ام انها ستهرب في منتصفه كما فعلت في العراق لتترك المنطقة بأسرها هذه المرة فريسة لانتقام داعش واخوانه؟
ثانيا: كان موقف وزير الخارجية السورية وليد المعلم من الغارات «مغرقا في سيرياليته»، اذ اعلنت وزارته انها «تبلغت بها من الولايات المتحدة قبل ساعات من شنها عبر طريقين»، واكدت على «تأييدها لاي جهد دولي لمحاربة الارهاب بشرطين هما احترام السيادة الوطنية، وتفادي قتل المدنيين»، وكلا الشرطين يثير كثيرا من السخرية والاسى في آن. فقد افترضت الخارجية السورية ان «ابلاغها» يعد نوعا من احترام «السيادة»، وهكذا لم يتضمن بيانها اعتراضا رسميا على الغارات، وهو ما يمنحها «شرعية ضمنية»، املا بالطبع في ان تكتشف الولايات المتحدة قريبا انها في حاجة الى دعم استخباراتي من النظام السوري لتنجح حربها الجديدة، وبالتالي تضطر الى ان تقيم معه اتصالات غير مباشرة، ما يعني اعادة تأهيل عملية للنظام. اما الشرط الثاني، فيكاد يندرج تحت بند (المضحك المبكي) حيث يتحدث النظام الذي قتل عشرات الآلاف من الابرياء عن «تفادي قتل المدنيين»، وكأنه يرفض ان يشاركه احد في هذا «الحق الالهي». انها قمة «البراغماتية» كالمعتاد من دمشق التي تعرف انها لا تستطيع تحمل فاتورة الاعتراض من ضرورة مواجهة هذه الغارات عسكريا، ثم انها لا تستطيع ان تقاوم «اغراء» المكاسب العسكرية التي ستجنيها من اضعاف اكبر التنظيمات المناهضة لها على الارض، حتى اذا ادت الحملة الى «تشققات سطحية» في علاقة النظام السوري مع حلفائه الذين اعلنوا معارضتهم للتدخل الامريكي (من حيث المبدأ) كما اكد حزب الله، او من دون «استئذان دمشق او غطاء من مجلس الامن»، وهو موقف روسيا وايران.
ثالثا: بالنظر الى المواقف الاقليمية، فان ايران ارادت للمشاركة في التحالف ثمنا لم تحصل عليه، في مفاوضاتها النووية، لكنها تراهن على انها «أكبر من أن يتجاهلها احد»، وهو ما قاله الرئيس العراقي نفسه في تصريحات امس. اما روسيا التي ايدت القرار الدولي 2170، فتبقى «رافضة» لكن في خانة الانتظار، اذ انها تحتاج الى موقف سوري واضح للبناء عليه ومواجهة التدخل الامريكي في الساحة الدولية، وهو ما لم يحدث حتى الآن. اما تركيا فتبقى «الرقم اللغز» في معادلة «التحالف» اذ اعلنت امس عدم سماحها باستخدام مجالها الجوي او قاعدة انجيرليك في شن الغارات، وكأنها تريد الحفاظ على «شعرة معاوية» مع داعش تجنبا لانتقامها. اما مصر، فيبدو موقفها متسقا مع رؤية اقليمية مختلفة عن الولايات المتحدة ودول الخليج ليس فقط بالنسبة لطبيعة الحرب ضد الارهاب وحدودها، بل وللوضع في سوريا بعد الغارات ايضا.
رابعا : ان الحملة الجوية تواجه تحديات قد تزداد صعوبة خلال المرحلة المقبلة، اذ ان (داعش) الذي يقوده بعض العسكريين المحترفين من الجيش العراقي السابق، ويملكون خبرة في كيفية مواجهة الغارات، قد يلجأ الى «الذوبان» في تجمعات سكانية، ما سيجعل التكلفة البشرية باهظة، وهنا سيتعين اللجوء الى قوات برية، وهو موضوع شائك من كافة اطرافه، بدءا من واشنطن التي استبعدته اصلا، الى المرجعية الشيعية في كربلاء التي بدأت بالفعل في التحريض ضده بوحي من الموقف الايراني. وحتى خيار الاستعانة بقوات عربية فيبقى اما غير ممكن، او غير مرحب به، وهو ما أعلنه صراحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وعندئذ قد تصل الحملة الى نهاية الطريق المسدود. وللحديث بقية.
رأي القدس
No comments:
Post a Comment