أمجد ناصر
تدور رحى حربٍ غامضةٍ في مناطق واسعة بين العراق وسورية. لا نرى كيف وأين، غير أن البلاغات تتواتر. ومَنْ كان ضد تحريك جندي في عهده "السلمي" الميمون سيختم عهده بحرب خاصة به. حرب أوباما التي سيعود بها الى "المسرح" الدموي، نفسه، الذي هرب من كواليسه في ليلة ظلماء، كما يفعل اللصوص. الكلام كثير عن الجهد العربي في هذه الحرب، لكنه غير واضح. هناك كلام.
لكننا لم نعرف، حتى الآن، طبيعة "مجهودنا" في المعركة ضد "داعش". جهدنا العسكري صفر بالنسبة للترسانة الأميركية التي لا نظير لها على وجه الكوكب. الأسلحة والمعدات العربية غير مهمّة. ما هو مهم حضور "الاسم العربي الجريح" في المعركة، (مع الاعتذار للمرحوم عبد الكبير الخطيبي).
هذا يكفي لواشنطن التي تريد أن تقول إنها تقود تحالفاً "دولياً" بحضور عربي بارز في مواجهة الخطر الإرهابي الذي يهدّد المنطقة.. والعالم!
يخطر لي أن أتساءل: ما هي الخطة الموضوعة لـ"معركة" داعش؟ غارات طيران، صواريخ توماهوك؟ هل هذه قادرة على اقتلاع "الدولة" المتغلغلة في المدن والبلدات التي تحتلها في كل من العراق وسورية؟ لا جنود على الأرض؟ وإن كان هناك جنود سيخوضون حرباً على الأرض (غير الجيش العراقي والبيشمركة بعد تأهيلهما!)، فمن أيّ بلد؟ أكثر من ذلك: هل ستبقى الشهية الأميركية مفتوحة، إن طالت الحرب، أم أن واشنطن ستترك الجمل بما حمل، كما فعلت في حروبها التدميرية السابقة في المنطقة، وآخرها في العراق؟
... في كل حروب أميركا السابقة في المنطقة، كانت هناك جهود عربية. ويمكن القول إنها كانت جهوداً ضائعة، حتى بمقياس مصالح الأنظمة التي أسهمت فيها. ولا مرة أفاد النظام العربي الملتحق بالقرار الأميركي من جهوده.
بل هناك أنظمة لم ترمِ لها أميركا طوق نجاة عندما راحت تتهاوى. والآن، ما الذي تتوقعه الأنظمة التي "تقاتل" إلى جانب الأميركيين في الحرب ضد "داعش"؟ هل سيكون لها قول في ما سيكون عليه الواقع السياسي، بعدما تضع هذه الحرب أوزارها؟ التجارب تقول إن ذلك، على الأغلب، لن يحصل. فلم تكن أميركا وحدها عندما قاتلت العراق وأخرجت قواته من الكويت. كان هناك عرب معها.
ولم تكن وحدها عندما احتلته. كانت هناك مطارات وأراضٍ عربية موضوعة بتصرّف قواتها. ولكن، لا الجنود، ولا المليارات التي دفعها العرب، ولا القواعد التي وضعت بتصرف الأميركيين، جعلت للعرب قولاً في صورة العراق التي شكلها بول بريمر، سيئ الصيت والسمعة، وفق كتاب "الملل والنحل".
... من غرائب هذه الحرب أن النظام السوري، "الممانع"، لم يمانع قيام الطائرات الأميركية و"العربية" بـ"انتهاك" سيادته. بل رحّب "بأي جهد من شأنه القضاء على الإرهاب". ومن الغرائب، أيضاً، أن إيران، حليفة بشار الأسد، تشارك أميركا الحرب ضد "داعش" في العراق، وتعارضها في سورية!
ولا تنتهي الغرائب بمطالبة دول عربية بتوسيع إطار الحرب على الإرهاب، بل إعادة تعريف مفهوم الإرهاب، كي يطال خصومها السياسيين. وغريبة الغرائب أنَّ الحرب الكونية تقوم على "داعش"، المجرمة الصغيرة، ولا يرى سَدَنة هذه الحرب المجرم الكبير. قطع الرأس جريمة لا تغتفر، وهو عمل بربري يندى له الجبين، هذا أمرٌ مسلَّم به، ولا يحتاج نقاشاً. ولكن، ماذا عمّن قتل ما يناهز 200 ألف مواطن، وشرَّد أكثر من عشرة ملايين في الداخل والخارج، ولم يتورّع عن استخدام الأسلحة الكيماوية، بل لا يزال يستخدمها ضد شعبه؟ ماذا عنه؟ ألا ينال بعض "العناية" التي تنالها "داعش" الآن؟
أسوأ ما يمكن أن يخطر في بال أبعد الناس عن السياسة وألاعيبها: أن تؤدي هذه الحرب العجيبة إلى إعادة تأهيل بشار الأسد، باعتباره القوة الوحيدة المنظّمة في سورية، وسط الفوضى التي خلقها هو.
No comments:
Post a Comment