Sunday, May 22, 2011

سورية في القلب


A VERY GOOD PIECE
By the Egyptian writer and journalist Abel-Halim Qandil
سورية في القلب
عبد الحليم قنديل


"أن تكون مصريا، فلا بد أن تحب سورية، وأن تكون قوميا عربيا، فلا بد أن يصيبك الفزع من تصرفات نظام ينسب نفسه لخط القومية العربية، ويحكم من وراء ستار حزب قومي تاريخي هو حزب البعث.
ولم يكن لمثلي أن ينتظر حتى تنشب النار في سورية، وحتى تتوالى مجازر حقيقــــية لمدن الثورة الســـورية الراهنة، من درعا إلى ريف دمشق، ومن بانياس إلى حمــــص، ومن حـــماة إلى تلكلخ وطلبة حلب، فليس لأحد أن يتوقع غير ما جرى ويجــــري، فالنظام لا يملك غير لغة القمع والعصف، وشعب ســـورية العظــــيم لا يملك غير طلب الحرية، حتى لو كلفته عشرات الآلاف من أرواح أبنائه وبناته، وفي التزام صارم بالتحرك السلمي، الذي لا يخشى الرصاص، ويحافظ على التفوق الأخلاقي الموصل لباب النصر.
وقد دعوت من سنوات طوال إلى توقي الخداع، وترك وصف الأنظمة لنفسها جانبا، والنفاذ إلى جوهر تكوينها، فقد انتهت الأنظمة ـ على اختلاف شعاراتها ـ إلى نسخ مطابقة للأصل، كلها تحكم بدعوى الحق العائلي، ومن حول عائلة تحكم وتسيطر على السلطة والثروة، دائرة ضيقة من مليارديرات المال الحرام، ومن تحتها خازوق أمنى متضخم ومتورم، وتدير اقتصادا ريعيا في غالبه، وبغير قاعدة انتاجية واسعة، وتقيم أحزابا صورية لزوم الديكور، ولا تنتسب ـ في الحقيقة ـ إلى أيديولوجيا بذاتها، لا إلى يمين، ولا إلى يسار، ولا إلى وسط، بل تنتمي إلى معنى النهب العام المستند إلى عصا الكبت العام، وتتحول إلى ما يشبه عصابات السرقة بالإكراه، وفي المحصلة تجد نفسك أمام نظم معلقة، قواعدها الشعبية متلاشية، وتشبه وضع النبي سليمان حين مات، وهو يتكئ على عصا، فلم يلحظ أحد أنه مات، إلا حين نخر النمل العصا، أنظمة تبدو مخيفة جدا، لكنها ضعيفة جدا في الوقت نفسه، وتفتقد إلى معنى السلطة بالتزاماته الحرفية، وهو الإذعان مقابل الإشباع، فهي تطلب الإذعان بغير مقدرة على إشباع احتياجات الناس، وتتصرف كالجراد الذي يأكل كل شيء، وينتهى إلى تصحير المجتمعات، ولا يستبقي غير صورة لصوصية مسلحة، مليارات فلكية يجرى شفطها إلى فوق، وعسس وعسكر تحت تخت السلطان، وتجريف للزراعة والصناعة والسياسة والثقافة، وغضب شعبي مكبوت ينزل إلى آبار تحت الأرض، وما ان ينزاح الغطاء، حتى تنزح الملايين من آبار بلا قرار، وتصنع ثورات تشبه عواصف الطبيعة وبراكينها وأقدارها.
وأي رهان على جدوى القمع في غير محل، فالقمع نفسه يؤدي دورا حيويا في رفع الغطاء عن آبار الغضب المختزن، ويدفع بالثورة إلى حدود تذهل القامعين، وتدفعهم إلى جنون دموى يعجل بانتصار الثورة نفسها، ولا يبدو أمام هذه النظم من خيار آخر، حتى ولو تظاهرت بالكلام عن خيار الحوار، فالعصا لا تحاور، ولم يبق في هذه النظم غير العصا، ومحكوم عليها بالخطأ الأمني الخلقي والجبري، فأنت لا تستطيع أن تربي وحشا، ثم تمنعه من نهش الناس، والدموية المفرطة في السلوك من جنس طبيعة هذه النظم، وطبعها الوحشي يغلب تطبعها المتكلف في لحظة طلوع الروح، وقد لا تحتاج عزيزي القارئ إلى أمثلة، فكتالوج الصور مفتوح أمامك، والثورات وما يجرى فيها تنتقل إليك في بيتك، وعلى الهواء مباشرة.
وقد يقول البعض ان النظام السوري مختلف، لكنه اختلاف في تفاصيل تضاف إلى تطابقات الأصول، فالتكوين الطائفي الضيق للنظام يزيد في حدة عنفه، لكنه يزيد أيضا من احتمالات نجاح الثورة السلمية، وقبل ما يزيد على عشر سنوات، قال مبارك ان مصر ليست سورية، ثم مضى في سيناريو توريث ابنه على الطريقة السورية، وحين دار الزمان دورته، وخلع المصريون مبارك وابنه، قال بشار الأسد ان سورية ليست مصر، ونبهت وقتها ـ في لقاء تلفزيوني ـ إلى المفارقة الساخرة التي بدت هروبا من حكم الأقدار، وقلت: ان سورية سوف تمضي في طريق مصر ذاته. وقلت: انتظروا الثورة في سورية، وجرى الذي جرى، وهو واصل إلى منتهاه مهما كانت العوائق، ومهما طال الزمن، ليس هذا توقعا ولا نبوءة، بل في حكم الأقدار، وكل تكلفة دم مضافة يتحمل وزرها النظام السوري، وكل خطر على سورية وأهلها سببه إصرار النظام على البقاء بغير مبرر مقبول ولا معقول، فقد تحدث بشار كثيرا عن الإصلاحات، ولم يفعل، وحتى لو أراد، فشبكة المصالح والمطامع التي تحكم لن تمكنه من تصفية نفوذها وامتيازاتها، فسورية تحكمها ميليشيا النهب، وليس حزب البعث الذي تحلل تكوينه، وأصبحنا بصدد حكم عائلة وحكم طائفة، فهل يملك بشار طاقة التمرد على الجيتو المحبوس فيه؟ هو يدعو إلى حوار، لكن الحوار ليس فوائض صور، بل مبادئ والتزامات، فهل يملك بشار فرصة كسر التحكم العائلي والطائفي باسم حزب البعث؟ هل يملك فرصة إلغاء خرافة الحزب القائد للدولة والمجتمع؟ هل يملك فرصة إلغاء نص وحشي يفرض عقوبة الإعدام على المنتمين إلى فكر بعينه؟ هل يملك فرصة إطلاق الحريات كافة؟
هل يملك فرصة تحطيم النفوذ المتوحش للنظام الأمني؟ هل يملك فرصة إجبار أهله وأصهاره على إعادة المليارات للشعب؟
هل يملك فرصة العفو العام والنهائي عن معارضيه جميعا؟ هل يملك فرصة التقدم لمرحلة انتقال ديمقراطى سلمي في سورية، وإقرار دستور جديد، وتنظيم انتخابات برلمان ورئاسة حرة، وإطلاق طاقات الشعب السوري، وإعادة بناء نظام قضائي يكفل العدالة والحرية؟ كلها أسئلة برسم أي حوار جاد، وتنطوي على فرصة لبشار نفسه، فبوسعه التحول إلى قائد لكل ســـورية، وليس إلى رجل أسير لمطامع طائفة وامتيازات عائلة، ولا يبدو، للأسف، أنه يستطيع، تماما كما أن الشعب السوري ـ بغالبيته الساحقة ـ لا يستطيع التخلي عن حقه في طلب الحرية والكرامة الإنسانية.
وقد لا نخشى على سورية من خطر تفكك طائفي، ففي تكوينها عناصر تماسك غالبة، ونحن نحترم كل الطوائف، بما فيها الطائفة العلوية الكريمة، لكن القصة أكبر من مظالم طوائف، وليس الإنصاف الطائفي هو المطلوب، بل المواطنة العروبية الجامعة، والحرية هي التي تضــــمن عــــروبة ســـورية، وهي التي تعــيد لها دورها الأمامي إلى جوار مصر، وهي التي تعيد بناء فكـــرة القومية العربية على أسس شعبية راسخة، والنظام العائلي الطائفي ليس ضمانا لشيء، اللهم إلا الخراب والفـــوضى واحتمالات التدخل الأمريكي، ولم يطلب تدخل أمريكا غير شواذ، بعضهم ـ على طريقة خدام ـ من رجال النظام نفسه، وقد كان خدام نائب بشار، كما كان نائبا لأبيه، بينما المعارضة السورية، في تكوينها الميداني الغالب، ضد ديكتاتـــورية النظام، وضد الأمريكيين والإسرائيليين معا، وهذه نقطة بالغة الأهمية، فلابد من عزل كل صوت شاذ يطلب أي تدخل أجنبي، ولابد من الحفاظ على السلمية التامة للتحرك الشعبي مهما زادت كثافة القمــــع الدموي، ولابد من الصبر واحتمال التضحية إلى أبعد مدى، ولابد من الثـــقة بنصر الله لثورة الناس الأحرار، ولابد من الابتـــعاد عن المكائد والمصائد واللغات الطائفية جميعا، وتلك كلها ضمانات النصر الأكيد، وواجبات الوفاء لدم الشهداء، التي تلزم بتجنب الانزلاق إلى فخاخ الوقيعة بين حرية سورية وعروبة سورية ووحدة أهلها الوطنية التامة.
ونثق أن الثورة السلمية السورية سوف تنتصر، فقد كانت سورية دائما في قلب كل عربي، وما يصيبها من جرح يصيبنا جميعا، وما تصيبه من نصر هو نصر للأمة كلها، وللمصريين بالذات.
"

No comments: