بقلم : أ.د/ يوسف رزقة
"ماذا وراء الأكمة؟ وهل أكمة قمة الرياض يمكنها أن تخفي ما خلفها؟ في عالم بات شفافاً بتطور تقنية الاتصالات.سؤال يطرحه كل مراقب متتبع للأحداث الأخيرة وسياقاتها الناظمة لها.
قبل أسابيع تشكلت (الرباعية العربية) في سياق التعامل مع رايس والرباعية الدولية، وفي ظلال قسمة الاعتدال والتشدد بالمفهوم الأميركي. تشكل الرباعية العربية حدث لم يحظ باهتمام كبير، غير أنه مرشح للقيام بدور مهم.
في الشهرين الأخيرين أنشأت رايس سياقاً جديداً في زيارات مكوكية لأطراف الصراع في منطقة الشرق الأوسط. ثمة اهتمام دبلوماسي مفاجئ بعد غياب أميركي إلى ما يزيد على ست سنوات، أسفر عن تبديل مكان انعقاد القمة من شرم الشيخ إلى الرياض كما تقول بعض المصادر الصحفية، وأسفر عن قرار إسرائيلي أميركي بلقاءات نصف شهرية بين (أولمرت عباس)، وأسفر عن لغة إسرائيلية جديدة إزاء المبادرة السعودية تتحدث عن نقاط إيجابية، ونقاط قابلة للتناقض وأسس صالحة؟! وفي الوقت نفسه رفض الإملاءات العربية بحسب بيرس وأولمرت وفي المقابل مديح للدور السعودي حيث يقول أولمرت "المبادرة السعودية تدل على زعامة الملك" . (يديعوت 27/3/2007م).
في ثنايا هذا السياق تبلور سياق أممي قاطر بقيادة بان كي مون حيث زار إسرائيل واطلع من خلال الطائرة المروحية على الخاصرة الضيقة لإسرائيل، كما اطلع على القدس والمستوطنات والجولان، وانتقل إلى قمة الرياض محملاً برسائل واضحة إلى الرباعية العربية، ومصطحباً معه بعد الحصول على الإذن السعودي مراسلة صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية اورلي ازولاي لتغطية أخبار القمة العربية في أول ظهور علني لمراسل إسرائيلي في الرياض.
وفي موازاة هذا السياق المتمم لدائرة الحركة السياسية قبل الأكمة وخلفها كان اتفاق مكة المكرمة، وحكومة الوحدة الوطنية العتيدة، وزيارات خالد مشعل المكوكية للرياض، وتأكيده على أن حركة حماس (تدعم الإجماع العربي) في مقام عنوانه الإجماع على المبادرة العربية.
سياقات تتداخل مكوناتها أحياناً وتتعارض أحياناً أخرى، يتقدم أحدها ويتأخر آخر، ولكن وفق إرادة ناظمة وسلطة قادرة تؤكد على أن الأحداث تسير في اتساق ما وفق خطة باتجاه هدف محدد يجري بلورته في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفي إطار العلاقات العربية الإسرائيلية وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط، وترتيب أولويات الأطراف فيها.
رفضت قمة الرياض تعديل المبادرة العربية رغم زخم المطالب الإسرائيلية الأميركية في هذا الشأن، غير أنها جددت حياة المبادرة بعد خمسة أعوام من التجميد بحضور قيادة حماس، وربطت القمة (في كلمة عمرو موسى) بين تجديد المبادرة والبحث عن آليات عمل لتنفيذها، وفي الحديث عن آليات تنفيذ يكمن الشيء الأهم مما يقع ربما خلف الأكمة، ولعل ما جاء على لسان بان كي مون عن نية الرباعية الدعوة إلى قمة بمشاركة السعودية وإسرائيل والدول العربية المعتدلة، التي عبر عنها أولمرت بقوله: " إذا وصلتني دعوة فسأنظر في ذلك بإيجابية". ما يشرح جزءاً من الآلية التي تتبلور.
أولمرت لا يوافق على مبدأ حق العودة رغم أنه غير مذكور في المبادرة ولا يوافق على مبدأ الحدود المؤرخة بـ 4/6/1967م، وبيرس يرى أن المبادرة تمثل موقفاً عربياً وليس مبادرة مكتملة، وإنها بصيغتها الحالية نوع من الإملاءات العربية المرفوضة، والحل الجلوس إلى مائدة المفاوضات للتفاوض حول ما هو مختلف فيه، ولا بأس من البدء الفوري بتطبيق ما هو متفق عليه يقصد التطبيع والعلاقات الاقتصادية العربية الإسرائيلية.
واحد من المطلعين قال إن حكمة الملك عبد الله والدبلوماسية السعودية تجنبت خلافاً مؤكداً في حال طرح تعديلات على المبادرة العربية، وأنتج المستشارون بديلاً من نقطتين: الأول إحياء المبادرة العربية من جديد وضم حماس إليها والتوجه بها إلى الأمم المتحدة، والثاني البحث عن آليات تنفيذ وعقد لقاءات للرباعيتين العربية والدولية وإسرائيل واستبعاد أطراف الرفض، للبحث في التعديلات دون تسميتها بهذا الاسم، وإطلاق مصطلح التطوير أو معالجة القضايا العالقة (اللاجئين والحدود) يقول نظير مجلي: (لا يتوجب أن تكون لإسرائيل مشكلة في قضية اللاجئين، وذلك لأن المبادرة العربية تعطيها الفيتو وتشترط موافقتها على أي حل).
كلمة الأمين العام عمرو موسى والبيان الختامي فتح الباب موارباً حول إمكانية إيجاد حلول وسط لقضية اللاجئين وقضية الحدود، ويبدو أن الدبلوماسية الإسرائيلية تفضل معالجة قضية اللاجئين أولاً لأنها في نظرها أصبحت ناضجة على المستويين العربي والفلسطيني، ولأن قضية الحدود بها القدس اللغم الكبير الذي أفشل كامب ديفد باراك عرفات كلينتون.
الدبلوماسية العربية والفلسطينية تتحدث وعن قناعة حول (حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين)، أي حل تفاوضي تقبل به إسرائيل، وما تتفق عليه الأطراف يكون هو التطبيق الحديث لقرار 194. مبدأ التفاوض مقبول وآلياته مهدت لها ورقة جنيف، ولقاءات أبو مازن بيلين، والتصريحات العريبة، وقمة الرياض تجميع نشط لكل متعلقات المسألة. تجميع يستمد قوته من المكان ومن الدولة ومن القيادة السعودية الكبيرة، والحاجة الفلسطينية للعمق العربي والإسلامي.
بعض الخطابات في قمة الرياض أوحت للمستمع أن هناك حراكاً خارج إطار الرباعية الدولية، وكأن ثمة نوع من التمرد على دبلوماسية واشنطن في سنة الأفول (لغة قومية) (العراق المحتل، لا لتعديل المبادرة العربية!!) ولكن البيانات المكتوبة واللقاءات تحكي غير هذه القصة تماماً (راجع النصوص).
بقي أن نقول إن هناك مخططاً نشطاً لتبديل مركزية الصراع يؤسس لاستراتيجية متكاملة يخمد فيها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والعربي الإسرائيلي لينشط صراع آخر في منطقة الخليج حول التسلح والطائفية والإرهاب، وهذا يقتضي طوي ملفات قديمة أهمها الملف الفلسطيني المستعصي على الحل بسبب التعنت الإسرائيلي والانحياز الأميركي.هذا التحول الاستراتيجي يتغذى برغبة رايس لأحداث اختراق سياسي على الساحة الفلسطينية يعزز فرصة الجمهوريين بعد بوش ما وزراء الأكمة فيما يبدو لي أمران مهمان وفي غاية الخطورة:
الأول: تبديل مركزية الصراع.
الثاني: آليات تفاوضية على حق العودة والحدود.
والرباعية العربية هي الجهة القادرة على احتواء الرفض الفلسطيني المتوقع في ضوء الحاجة الفلسطينية للعرب، وفي ضوء حاجة العرب لترتيب الأولويات والمصالح في ضوء التهديدات الجديدة وعلى الدبلوماسية الأميركية الإسرائيلية التوجه نحو العنوان، والعنوان اليوم السعودية والرباعية العربية ولا أحسب أن ما وراء الأكمة سيتخلف عن ارتياد الطريق المرسوم إلا في حالة الفيتو الاسرائيلي النابع من ضعف الحكومة؛ واللعب على الزمن، وتأجيل المقترحات إلى حكومة ديمقراطية في أميركا لأن اسرائيل ليست متعجلة بينما تفرض أمر واقع على الأرض يخدم مصالحها، والعرب يتسولون المفاوضات."
No comments:
Post a Comment