مأزق المالكي بين طهران وواشنطن
عبد الباري عطوان
".....
ورغم سوء الاتفاقية الأمنية فان لها ايجابية واحدة تتمثل في كونها فضحت جميع الاطراف المنخرطة في العملية السياسية المنبثقة عن الاحتلال الامريكي، فقد اظهرت انتهازية جبهة التوافق السنية والمنخرطين فيها، خاصة الحزب الاسلامي، مثلما كشفت نفاق معظم الاحزاب والفصائل الشيعية الاخري، باستثناء التيار الصدري، علاوة علي سذاجتها السياسية. فهذه الفصائل والاحزاب التي تتباكي علي السيادة العراقية حاليا، نسيت، او تناست، انها هي التي كانت حصان طروادة لاحتلال العراق وايصاله الي الوضع البائس الذي يعيشه حاليا.
فالادارة الامريكية الحالية لم ترسل ربع مليون جندي الي العراق من اجل عيون الشعب العراقي، ولإحلال الديمقراطية وحفظ حقوق الانسان، فالولايات المتحدة لم تكن ابدا في تاريخها الحديث مؤسسة خيرية، وانما دولة عظمي تضع مصالحها الاستراتيجية، والاقتصادية منها علي وجه الخصوص، فوق اي اعتبار آخر.
.....
الادارة الامريكية استثمرت اكثر من ستمئة مليار دولار حتي الآن في العراق، وخسرت حوالي اربعة آلاف من جنودها، علاوة علي اصابة ثلاثين الفا آخرين، وهي قدمت كل هذه التضحيات من اجل السيطرة علي هذا البلد، والبقاء فيه لعقود قادمة، حيث احتياطات نفطية تصل الي 350 مليار برميل، اي ضعف الاحتياطات النفطية السعودية التي تعتبر الأضخم في العالم بأسره. ونستطيع ان نعرف مدي اهمية هذه الاحتياطات مع توقع وصول سعر برميل النفط الي 150 دولارا الشهر المقبل.
ومن غير المنطقي ان يتصور السيد المالكي وحلفاؤه، خاصة المجلس الاسلامي الاعلي بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، انه يستطيع ان يتحالف مع طهران ضد المحتل الامريكي او العكس، ويبقي في سدة الحكم. فإما ان يعود الي الحضن الايراني، وينخرط في المعسكر المقاوم للاتفاقية الأمنية، او يفي بوعوده الي الذين اتوا به من المنفي علي ظهور دباباتهم، ويتحول الي انطوان لحد عراقي. فالجمع بين الامريكان والايرانيين مثل من يحاول الخلط بين الزيت والماء، او بالأحري البنزين والكبريت في اناء واحد.
السيد المالكي يعيش حالة من الفانتازيا لا يعرف كيف يخرج منها، فقد كان لافتا تصريحه الذي ادلي به في طهران وقال فيه انه لن يسمح باستخدام العراق قاعدة لضرب ايران، مشيرا بشكل مباشر الي ما يتردد عن خطط امريكية في هذا الخصوص. فمثل هذا التصريح يبدو مفهوما لو ان الرجل سيد في بلاده، ويتمتع بالاستقلال الكامل، ويستند الي جيوش جرارة، واسلحة برية وجوية هي الاحدث، ولكنه لا يستطيع ان يبقي في الحكم يوما واحدا اذا غضب عليه السيد الامريكي، بل ربما لا يسمح له بالعودة الي المنطقة الخضراء التي لا يستطيع حمايتها، او حتي مغادرتها (بالامس سقطت القذائف في فناء وزارة الدفاع العراقية فيها وقتلت واصابت عدة اشخاص).
القاسم المشترك بين السيد المالكي وحلفائه الامريكيين ان الطرفين باتت ايامهما معدودة في العراق، اللهم الا اذا حدثت معجزة، ونحن لسنا في زمن المعجزات لسوء حظهما.
....."
No comments:
Post a Comment