خطيئة الإخوان
عبد الحليم قنديل
"قرار قيادة الإخوان ـ مع كامل الاحترام لشخوصها ـ بالمشاركة في انتخابات النظام المصري عار أخلاقي وسياسي، وخطأ تراجيدي بحق الشعب المصري، وبحق تضحيات جماعة الإخوان ذاتها .
فعلى مفارق طرق المصير المصري، بدت قيادة الإخوان كأنها تعطي صوتها للنظام، وتسايره في ألعابه الأخيرة، وتخذل تيارات المعارضة الراديكالية، وعلى رأسها حركة 'كفاية ' والجمعية الوطنية للتغيير، التي دعت إلى المقاطعة ونزع الشرعية، والبدء في حملة مقاومة مدنية وعصيان سلمي.
ويعرف الإخوان ـ كما غيرهم ـ أن قصة الانتخابات انتهت في مصر، وبالذات منذ سريان تعديلات الانقلاب على الدستور، التي استفتي عليها صوريا في 26 آذار/مارس 2007.
قبل هذا التاريخ كانت هناك انتخابات يجري تزويرها، وبعد هذا التاريخ أصبح هناك تزوير يجري انتخابه، كانت انتخابات 2005 هي العشاء الأخير، وانتقلنا بعدها من التزوير المنهجي إلى المسخرة المنهجية، وتحولت الانتخابات إلى أفلام كارتون، وإلى تعيينات بالأمر المباشر، تحولنا إلى 'انتخابات افتراضية' بلا ناخبين تقريبا، تتأرجح فيها نسب التصويت الفعلي فوق حافة الصفر، ويعين فيها النظام معارضيه، تماما كما يعين مؤيديه، وقد توالت البروفات 'الانتخابية' تباعا، في التجديد النصفي لمجلس الشورى في نيسان/أبريل 2007، وإلى انتخابات المحليات في نيسان/ابريل 2008، وبينهما وبعدهما في انتخابات تكميلية جرت على مقاعد خلت أو تأخرت في مجلس الشعب، وإلى انتخابات التجديد النصفي مجددا لمجلس الشورى في حزيران/يونيو 2010، وقد شارك الإخوان ـ للأسف ـ في كل هذه الانتخابات المزورة بالكامل، وكانت نتائجهم صفرا كبيرا، ليس لأن الإخوان فقدوا شعبيتهم فجأة، أو أن الأرض انشقت فابتلعتهم، بل لأنه لم تكن هناك انتخابات من أصله، بل صور من التزييف والتزوير لم تشهد لها البشرية الحديثة مثيلا، صور من 'الانتخابات المشفرة' تنتهي دائما إلى النتائج ذاتها، المحفوظة في ألواح وأدراج مكاتب مباحث أمن الدولة، التي لا يمكن التوصل لطريقة صناعتها بغير اشتراك خاص، يتيح للمعنيين التقاط البث المباشر من المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة بميدان لاظوغلي بالقاهرة، أو من فروعها بالمحافظات، ثم يصبح البث مجانيا صباح يوم الانتخابات، وقبل بدء الإجراءات، وتعلن النتائج بمعرفة ضباط أمن الدولة، وفي صورة فوز كاريكاتوري تام لقوائم المؤيدين والمعارضين الممهورة بختم الرئاسة، وفي أعداد مهولة لناخبين لم يرهم أحد، وكأنهم يلبسون طاقية الإخفاء، أو يركبون بساط الريح، ولا يظهرون سوى في أرقام فلكية تعلنها السلطات، في حين يحجز للإخوان مقعد الصفر، وعلى طريقة 'لا إخواني بعد اليوم في أي مجلس تمثيلي'.
والغريب، أن نواب جماعة الإخوان عارضوا بشدة تعديلات الانقلاب على الدستور، التي أنهت الإشراف القضائي على الانتخابات عمليا، وأحلت محله إشرافا عمليا لضباط الشرطة، وقاطع نواب الإخوان مناقشات التعديل الانقلابي في البرلمان، وقاطعوا التصويت البرلماني على التعديلات، ودعوا الشعب لمقاطعة الاستفتاء على التعديلات ذاتها، وهي التعديلات التي جرت طبقا لها بروفات الانتخابات الافتراضية، وتجري طبقا لها انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة، والتناقض ظاهر فادح وفاضح، فكيف يصح لجماعة سياسية أن تدعو لمقاطعة في المبدأ، ثم تتورط بالمشاركة في تطبيقات المبدأ المرفوض ذاته، إنه التورط في العار الأخلاقي، أي أن تقول للناس كلاما، ثم تأتي عكسه، ثم تطلب منهم أن يصدقوك في الحالين، ولم يكن السلوك المعوج وقفا على الإخوان، بل ان نواب الأحزاب الرسمية طالبوا أيضا بمقاطعة الاستفتاء على التعديلات، ثم سارعوا بالمشاركة الآن، ثم يحدثونك ـ في براءة عبيطة ـ عن انصراف الناس عنهم، وعن المشاركة بالتصويت في انتخاباتهم، بينما انصراف الناس هو السلوك المنطقي الأخلاقي جدا، وسلوك هذه الأحزاب هو العار والشنار بعينه.
والأغرب ان قيادة الإخوان تحتج بأن هذه الإحزاب تشارك، وأنها تتأسى بها، وتمشي على هديها، في حين أن جماعة الإخوان تبدو في وضع مختلف جدا، فالأحزاب الرسمية جزء من النظام الأمني القائم، وهي جماعات من المأمورين، ليس لهم إلا أن يؤمروا فيصدعوا، يذهبون إلى حيث يذهب النظام، وينتهون إلى حيث ينتهي، وتوزع عليهم 'الحصص التمثيلية' في 'الانتخابات المشفرة' إياها، وليس بوسع أي منهم الحصول على مقعد برلماني نظيف في أي انتخابات حرة، فقد تحولت هذه الأحزاب إلى خيالات مآته، وإلى كائنات كاريكاتورية تسكن مقارها المظلمة، وتنتظر الإحسان بالتعيين من وراء قناع انتخابي، هذا ـ بالطبع ـ في ما يخص أحزابا رسمية قامت وماتت بالرخصة الأمنية، ولبعض قادتها صلة نسب قديمة متآكلة بمعنى السياسة، وهؤلاء يعدون على أصابع اليد الواحدة، أما باقي الأحزاب الرسمية فحدث عنها ولا حرج، إنها مجرد 'أكشاك سجائر'، وليست هذه حال جماعة الإخوان المحظورة رسميا، فلها قاعدة شعبية واسعة، ونفوذ هائل في أوساط الطبقة الوسطى، ولا يستجيب النظام ـ لأسباب فيزيائية ـ لرغبة بعض قادتهم في عقد صفقة الإخوان ليسوا في حاجة إليها، ورغم الاختلاف البين، فقد تساوت قيادة الإخوان في سلوكها مع سلوك الأحزاب إياها، وارتكبت الخطأ الفادح، وأوقعت الجماعة كلها في فخ الريبة، وتنكرت لأبسط معاني الاستقامة الخلقية والسياسية، وأسقطت دواعي المسؤولية الذاتية عن القرار، وأهدرت القاعدة الشرعية القائلة بأن 'كل طائره في عنقه'، وجعلت قرارها رهينا برغبات الآخرين المتذيلين للنظام الأمني، والذين وعدوا بتوزيع تركه الإخوان البرلمانية عليهم، وربما طمعا في أن يستبقي النظام للإخوان بعض مقاعدهم، وبأعداد تتخطى حاجز الصفر بقليل، وبعد أن كان لهم 88 نائبا في البرلمان المنقضية مدته.
والأخطر أن قيادة الإخوان بقرارها المشاركة في ما يسمى انتخابات مجلس الشعب، وبمعرفتها للملابسات والنتائج المقررة سلفا، فإنها تصوت ـ بلا مواربة - لصالح نظام مبارك، وتضفي بمشاركة الإخوان ـ وهم الجماعة ذات الثقل الشعبي ـ شرعية مصنوعة على عملية اغتصاب مباشر للسلطة، تضفي جدية مفتعلة على عملية هزلية، وتقدم غطاء يحتاجه النظام في انتخابات برلمانية افتراضية، يجري فيها توزيع الحصص على أسماء مختارة، ومقابل قيامها بأدوار 'الكومبارس' في انتخابات رئاسية افتراضية لاحقة، يتقدم لها مبارك الأب، أو من يخـــــتاره ابنا كان أو جنرالا، يعين نفسه رئيسا لفترة سادسة، أو يعـــــين من يختاره، ومن وراء قناع انتخابي تنكري، وطبقا لتعديلات الدستور، التي تصادر فرص الترشح الجدي لا الهزلي، وبغير ممانعة من قادة الإخوان الذين لا يحق الترشح لأحدهم، وهو ما يعني في المحصلة نتيجة تخزق العين، هي التأييد الصامت من قيادة الإخوان لمبارك أو من يختاره، وهو ذات 'الاختيار الرئاسي' الذي يؤيده الأمريكيون والإسرائيليون، وهكذا يؤيد الإخوان ـ بخطيئة المشاركة ـ مرشح الاستعمار الأمريكي الإسرائيلي لرئاسة مصر، وهذا جوهر ما نعنيه بالعار الأخلاقي والسياسي، فوق الخطأ التراجيدي بحق تضحيات قواعد الإخوان في الكفاح ضد إسرائيل ونظامها المصري.
وقرار قيادة الإخوان يضيف ـ للأسف ـ إلى دواعي إساءة الظن بجماعة الإخوان، فقد سربت قيادة الإخوان ـ قبل عام ـ مشروعا لعقد صفقة مع النظام، ونشر باسم أحد قياداتهم البرلمانية في صحيفة يومية مصرية، كانت الصفقة المعروضة من أربع نقاط، أولها: أن يتعهد الإخوان بالمشاركة في انتخابات البرلمان على نسبة من المقاعد أقل من النصف، وبهدف طمأنة النظام إلى أنهم لا يريدون الأغلبية، ولا يسعون إليها، وفي مدى زمني يتصل حتى عام 2020، وكان التعهد الثاني: ألا يقدم الإخوان مرشحا للرئاسة، ولا يدعمون أي مرشح معارض على الرئاسة، وخلال مدتين رئاسيتين بدءا من عام 2011 وحتى عام 2023، ومقابل التعهدين، تطلب جماعة الإخوان الاعتراف لها بحزب سياسي خلال الفترة الطويلة ذاتها، والاعتراف لها بجمعية دينية، وحين نشرت عناصر الصفقة المقترحة، تظاهرت قيادة الإخوان بالغضب، وصدرت عنها تصريحات نفي باهت، وقالت انها تحقق مع القيادي الإخواني ـ النائب محمد البلتاجي ـ الذي نشرت الصفقة باسمه، ثم تبين أنه لا تحقيق ولا يحزنون، وأن التزام قيادة الإخوان بتعهدات الصفقة بدا ساريا، ولو من طرف واحد، ولاحظ أن قرار مشاركة الإخوان جاء محصورا بنسبة 30 ' من المقاعد، وتحت شعار 'مشاركة لا مغالبة'.
لقد انزلقت قيادة الإخوان إلى خطيئة اللعب مع النظام، وبغير ثقة في استجابة النظام الذي يواصل اعتقالاته ودهسه لقواعد الإخوان بأحذية الأمن.
"
عبد الحليم قنديل
"قرار قيادة الإخوان ـ مع كامل الاحترام لشخوصها ـ بالمشاركة في انتخابات النظام المصري عار أخلاقي وسياسي، وخطأ تراجيدي بحق الشعب المصري، وبحق تضحيات جماعة الإخوان ذاتها .
فعلى مفارق طرق المصير المصري، بدت قيادة الإخوان كأنها تعطي صوتها للنظام، وتسايره في ألعابه الأخيرة، وتخذل تيارات المعارضة الراديكالية، وعلى رأسها حركة 'كفاية ' والجمعية الوطنية للتغيير، التي دعت إلى المقاطعة ونزع الشرعية، والبدء في حملة مقاومة مدنية وعصيان سلمي.
ويعرف الإخوان ـ كما غيرهم ـ أن قصة الانتخابات انتهت في مصر، وبالذات منذ سريان تعديلات الانقلاب على الدستور، التي استفتي عليها صوريا في 26 آذار/مارس 2007.
قبل هذا التاريخ كانت هناك انتخابات يجري تزويرها، وبعد هذا التاريخ أصبح هناك تزوير يجري انتخابه، كانت انتخابات 2005 هي العشاء الأخير، وانتقلنا بعدها من التزوير المنهجي إلى المسخرة المنهجية، وتحولت الانتخابات إلى أفلام كارتون، وإلى تعيينات بالأمر المباشر، تحولنا إلى 'انتخابات افتراضية' بلا ناخبين تقريبا، تتأرجح فيها نسب التصويت الفعلي فوق حافة الصفر، ويعين فيها النظام معارضيه، تماما كما يعين مؤيديه، وقد توالت البروفات 'الانتخابية' تباعا، في التجديد النصفي لمجلس الشورى في نيسان/أبريل 2007، وإلى انتخابات المحليات في نيسان/ابريل 2008، وبينهما وبعدهما في انتخابات تكميلية جرت على مقاعد خلت أو تأخرت في مجلس الشعب، وإلى انتخابات التجديد النصفي مجددا لمجلس الشورى في حزيران/يونيو 2010، وقد شارك الإخوان ـ للأسف ـ في كل هذه الانتخابات المزورة بالكامل، وكانت نتائجهم صفرا كبيرا، ليس لأن الإخوان فقدوا شعبيتهم فجأة، أو أن الأرض انشقت فابتلعتهم، بل لأنه لم تكن هناك انتخابات من أصله، بل صور من التزييف والتزوير لم تشهد لها البشرية الحديثة مثيلا، صور من 'الانتخابات المشفرة' تنتهي دائما إلى النتائج ذاتها، المحفوظة في ألواح وأدراج مكاتب مباحث أمن الدولة، التي لا يمكن التوصل لطريقة صناعتها بغير اشتراك خاص، يتيح للمعنيين التقاط البث المباشر من المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة بميدان لاظوغلي بالقاهرة، أو من فروعها بالمحافظات، ثم يصبح البث مجانيا صباح يوم الانتخابات، وقبل بدء الإجراءات، وتعلن النتائج بمعرفة ضباط أمن الدولة، وفي صورة فوز كاريكاتوري تام لقوائم المؤيدين والمعارضين الممهورة بختم الرئاسة، وفي أعداد مهولة لناخبين لم يرهم أحد، وكأنهم يلبسون طاقية الإخفاء، أو يركبون بساط الريح، ولا يظهرون سوى في أرقام فلكية تعلنها السلطات، في حين يحجز للإخوان مقعد الصفر، وعلى طريقة 'لا إخواني بعد اليوم في أي مجلس تمثيلي'.
والغريب، أن نواب جماعة الإخوان عارضوا بشدة تعديلات الانقلاب على الدستور، التي أنهت الإشراف القضائي على الانتخابات عمليا، وأحلت محله إشرافا عمليا لضباط الشرطة، وقاطع نواب الإخوان مناقشات التعديل الانقلابي في البرلمان، وقاطعوا التصويت البرلماني على التعديلات، ودعوا الشعب لمقاطعة الاستفتاء على التعديلات ذاتها، وهي التعديلات التي جرت طبقا لها بروفات الانتخابات الافتراضية، وتجري طبقا لها انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة، والتناقض ظاهر فادح وفاضح، فكيف يصح لجماعة سياسية أن تدعو لمقاطعة في المبدأ، ثم تتورط بالمشاركة في تطبيقات المبدأ المرفوض ذاته، إنه التورط في العار الأخلاقي، أي أن تقول للناس كلاما، ثم تأتي عكسه، ثم تطلب منهم أن يصدقوك في الحالين، ولم يكن السلوك المعوج وقفا على الإخوان، بل ان نواب الأحزاب الرسمية طالبوا أيضا بمقاطعة الاستفتاء على التعديلات، ثم سارعوا بالمشاركة الآن، ثم يحدثونك ـ في براءة عبيطة ـ عن انصراف الناس عنهم، وعن المشاركة بالتصويت في انتخاباتهم، بينما انصراف الناس هو السلوك المنطقي الأخلاقي جدا، وسلوك هذه الأحزاب هو العار والشنار بعينه.
والأغرب ان قيادة الإخوان تحتج بأن هذه الإحزاب تشارك، وأنها تتأسى بها، وتمشي على هديها، في حين أن جماعة الإخوان تبدو في وضع مختلف جدا، فالأحزاب الرسمية جزء من النظام الأمني القائم، وهي جماعات من المأمورين، ليس لهم إلا أن يؤمروا فيصدعوا، يذهبون إلى حيث يذهب النظام، وينتهون إلى حيث ينتهي، وتوزع عليهم 'الحصص التمثيلية' في 'الانتخابات المشفرة' إياها، وليس بوسع أي منهم الحصول على مقعد برلماني نظيف في أي انتخابات حرة، فقد تحولت هذه الأحزاب إلى خيالات مآته، وإلى كائنات كاريكاتورية تسكن مقارها المظلمة، وتنتظر الإحسان بالتعيين من وراء قناع انتخابي، هذا ـ بالطبع ـ في ما يخص أحزابا رسمية قامت وماتت بالرخصة الأمنية، ولبعض قادتها صلة نسب قديمة متآكلة بمعنى السياسة، وهؤلاء يعدون على أصابع اليد الواحدة، أما باقي الأحزاب الرسمية فحدث عنها ولا حرج، إنها مجرد 'أكشاك سجائر'، وليست هذه حال جماعة الإخوان المحظورة رسميا، فلها قاعدة شعبية واسعة، ونفوذ هائل في أوساط الطبقة الوسطى، ولا يستجيب النظام ـ لأسباب فيزيائية ـ لرغبة بعض قادتهم في عقد صفقة الإخوان ليسوا في حاجة إليها، ورغم الاختلاف البين، فقد تساوت قيادة الإخوان في سلوكها مع سلوك الأحزاب إياها، وارتكبت الخطأ الفادح، وأوقعت الجماعة كلها في فخ الريبة، وتنكرت لأبسط معاني الاستقامة الخلقية والسياسية، وأسقطت دواعي المسؤولية الذاتية عن القرار، وأهدرت القاعدة الشرعية القائلة بأن 'كل طائره في عنقه'، وجعلت قرارها رهينا برغبات الآخرين المتذيلين للنظام الأمني، والذين وعدوا بتوزيع تركه الإخوان البرلمانية عليهم، وربما طمعا في أن يستبقي النظام للإخوان بعض مقاعدهم، وبأعداد تتخطى حاجز الصفر بقليل، وبعد أن كان لهم 88 نائبا في البرلمان المنقضية مدته.
والأخطر أن قيادة الإخوان بقرارها المشاركة في ما يسمى انتخابات مجلس الشعب، وبمعرفتها للملابسات والنتائج المقررة سلفا، فإنها تصوت ـ بلا مواربة - لصالح نظام مبارك، وتضفي بمشاركة الإخوان ـ وهم الجماعة ذات الثقل الشعبي ـ شرعية مصنوعة على عملية اغتصاب مباشر للسلطة، تضفي جدية مفتعلة على عملية هزلية، وتقدم غطاء يحتاجه النظام في انتخابات برلمانية افتراضية، يجري فيها توزيع الحصص على أسماء مختارة، ومقابل قيامها بأدوار 'الكومبارس' في انتخابات رئاسية افتراضية لاحقة، يتقدم لها مبارك الأب، أو من يخـــــتاره ابنا كان أو جنرالا، يعين نفسه رئيسا لفترة سادسة، أو يعـــــين من يختاره، ومن وراء قناع انتخابي تنكري، وطبقا لتعديلات الدستور، التي تصادر فرص الترشح الجدي لا الهزلي، وبغير ممانعة من قادة الإخوان الذين لا يحق الترشح لأحدهم، وهو ما يعني في المحصلة نتيجة تخزق العين، هي التأييد الصامت من قيادة الإخوان لمبارك أو من يختاره، وهو ذات 'الاختيار الرئاسي' الذي يؤيده الأمريكيون والإسرائيليون، وهكذا يؤيد الإخوان ـ بخطيئة المشاركة ـ مرشح الاستعمار الأمريكي الإسرائيلي لرئاسة مصر، وهذا جوهر ما نعنيه بالعار الأخلاقي والسياسي، فوق الخطأ التراجيدي بحق تضحيات قواعد الإخوان في الكفاح ضد إسرائيل ونظامها المصري.
وقرار قيادة الإخوان يضيف ـ للأسف ـ إلى دواعي إساءة الظن بجماعة الإخوان، فقد سربت قيادة الإخوان ـ قبل عام ـ مشروعا لعقد صفقة مع النظام، ونشر باسم أحد قياداتهم البرلمانية في صحيفة يومية مصرية، كانت الصفقة المعروضة من أربع نقاط، أولها: أن يتعهد الإخوان بالمشاركة في انتخابات البرلمان على نسبة من المقاعد أقل من النصف، وبهدف طمأنة النظام إلى أنهم لا يريدون الأغلبية، ولا يسعون إليها، وفي مدى زمني يتصل حتى عام 2020، وكان التعهد الثاني: ألا يقدم الإخوان مرشحا للرئاسة، ولا يدعمون أي مرشح معارض على الرئاسة، وخلال مدتين رئاسيتين بدءا من عام 2011 وحتى عام 2023، ومقابل التعهدين، تطلب جماعة الإخوان الاعتراف لها بحزب سياسي خلال الفترة الطويلة ذاتها، والاعتراف لها بجمعية دينية، وحين نشرت عناصر الصفقة المقترحة، تظاهرت قيادة الإخوان بالغضب، وصدرت عنها تصريحات نفي باهت، وقالت انها تحقق مع القيادي الإخواني ـ النائب محمد البلتاجي ـ الذي نشرت الصفقة باسمه، ثم تبين أنه لا تحقيق ولا يحزنون، وأن التزام قيادة الإخوان بتعهدات الصفقة بدا ساريا، ولو من طرف واحد، ولاحظ أن قرار مشاركة الإخوان جاء محصورا بنسبة 30 ' من المقاعد، وتحت شعار 'مشاركة لا مغالبة'.
لقد انزلقت قيادة الإخوان إلى خطيئة اللعب مع النظام، وبغير ثقة في استجابة النظام الذي يواصل اعتقالاته ودهسه لقواعد الإخوان بأحذية الأمن.
"
No comments:
Post a Comment