A GOOD PIECE
By the Egyptian Opposition Leader and Journalist Abdel Halim Qandil
"جفت الأقلام وطويت الصحف، وانتهت قصة الانتخابات في مصر حتى قبل أن تبدأ، فالنتائج معروفة سلفا، والقوائم في اللوح المحفوظ، تكتب في بيت الرئاسة، ويكلف جهاز أمن الدولة بالتنفيذ، وبحسب اختراعات خاصة تبتدعها الإدارة الأمنية، وقد أقيمت الأفراح والليالي الملاح للمحظوظين على قوائم ما يسمى 'الحزب الوطني'، ولم يبق معلقا سوى ما أسماه مرسوم القوائم بالدوائر المفتوحة، التي انحصرت في أقل من خمس دوائر انتخابات، تقدم عليها أكثر من مرشح رسمي للحزب الحاكم، وربما تحجز فيها مقاعد لبعض المنسوبين للمعارضة، في محاصصة أمنية يجري تدقيقها، وتوزيعها كهدايا العيد، ورفع المنسوب البرلماني لما يسمى بالأحزاب الشرعية، أي التي تقوم وتستمر بترخيصات أمنية، وبعضها الأقل على صلة نسب بالسياسة، بينما أكثرها الغالب أقرب إلى 'أكشاك السجائر'.
واللعبة متصلة بالطبع حتى غايتها وتاريخها، والباقي مشاهد تمثيلية فقيرة تحاكي ما يحدث عادة في الانتخابات، في الحال ضجة مفتعلة من لزوم ما يلزم، وفي الاستقبال يبدو الأمر أكثر وضوحا، فالانتخابات الافتراضية للبرلمان تمهد لانتخابات افتراضية لاحقة على مقعد الرئاسة، وسلطات البرلمان صورية، بينما سلطة الرئيس فعلية وقابضة، وكما كان الرئيس مبارك هو الذي عين أعضاء مجالس المحليات ومجلس الشورى، فهو الذي يعين ـ بالمرة ـ أعضاء مجلس الشعب، ومن وراء قناع انتخابي تنكري، وهو التصور ذاته الذي يحكم عملية اختيار الرئيس، وفي خطوات مدارة تماما بتسهيلات التعديلات الدستورية الموضوعة على المقاس العائلي، التي انتهت بقصص الانتخابات كلها إلى تعيينات بالأمر المباشر، وفي الموعد المضروب لتجديد الرئاسة أواخر 2011، تكون لمبارك فرصة الاختيار، فإما أن يعين الرئيس نفسه مجددا إذا طال به العمر وتراخت الأقدار، أو أن يعين شخصا آخر يجري الاتفاق عليه الآن مع الأمريكيين والإسرائيليين، وفي صورة استنساخ مطابق لشخصية الرئيس الحالي، الذي وصفه الجنرال بنيامين بن اليعازر بأنه 'أعظم كنز استراتيجي لإسرائيل'.
الصورة على هذا النحو تبدو محبطة، وتعني احتجاز مصر في 'جراج' التاريخ لعمر آخر، وهذه خطيئة الذين قرروا المشاركة في انتخابات تحولت إلى تعيينات وأفلام كارتون، فهم بالوعي أو بدونه، يضفون شرعية مصنوعة على عملية اغتصاب مباشر للسلطة، ويضفون جدية مفتعلة على لعبة هزلية بالكامل، ويلحقون بمعنى المعارضة عارا أخلاقيا وسياسيا، لا نقصد هنا ما يسمى بالأحزاب الشرعية، فقياداتها تحولت إلى زوائد إضافية لجهاز أمن الدولة، بل نقصد، بالذات، جماعة الإخوان المسلمين وعددا من المعارضين الجديين المستقلين، وقد انزلق هؤلاء إلى لعب دور 'المرمطون' في عمل مسرحي رديء، ويمهد كما هو مرسوم، لمسرحية تعيين الرئيس، التي يتقدم إليها ' كومبارسات' من الأحزاب إياها، تعيد تنصيب الرئيس المختار بعناية الأمريكيين والإسرائيليين .
وفي حوارات متصلة خلال الأيام الأخيرة، جرى بعضها في معية مرشد جماعة الإخوان، حاولنا في حركة كفاية لجم الانزلاقات الخطرة، وحاول معنا آخرون من الجمعية الوطنية للتغيير والهيئات المقاطعة عموما، وطرحنا على قادة الإخوان فكرة الخروج من المستنقع، وسحب مرشحي الإخوان والمعارضين الجديين، وترك حزب الرئيس يلعب مع نفسه، ومع أحزابه الموصولة بجهاز أمن الدولة، ولم نجد تجاوبا معقولا للأسف، فقد تصوروا، أو صوروا، أننا ندعوهم للانسحاب من معركة، بينما لا معركة ولا يحزنون، خاصة وهم يسلمون معنا بأن القصة كلها تزوير في تزوير، وتفتقر إلى أبسط معاني الشرعية.
وفي هذه اللحظة، وعلى مرمى أيام من خط المهزلة، تبدو المعارضة الراديكالية في حرج موقوت، فقد قررت مقاطعة ألعاب النظام الانتخابية كلها، ودعت إلى نزع رداء الشرعية المفتعلة، وإلى المقاومة المدنية والعصيان السلمي، ونجحت في جمع هيئات من كافة التيارات الفكرية والسياسية، ورفد تجمع المقاطعة بكافة ألوان الطيف.
كانت حركة كفاية هي التي بادرت بالدعوة للمقاطعة، ثم انضمت إليها الجمعية الوطنية للتغيير، وأحزاب الكرامة والعمل والغد والجبهة الديمقراطية والوسط والاشتراكيون الثوريون وحركة اليسار المقاوم والحزب الشيوعي المصري، أي أن المقاطعة شملت هيئات وجماعات ناصرية وإسلامية وليبرالية ويسارية، وكان الأمل منعقدا على انضمام جماعة الإخوان لخط المقاطعة، وهو ما حدث عكسه للأسف، وثمة رجاء أن تكون خسارة الإخوان موقوتة، فهم أكبر جماعة شعبية خارج النظام، وإضافتها لمعسكر المعارضة الراديكالية تعني الكثير، وتستحق جهدا مخلصا موصولا، رغم التردد الفطري لقيادة الإخوان، ووقوعها دائما في خانة 'البين بين'، ونزعتها 'الإرجائية' إلى الأجل غير المسمى، رغم كل هذه المعايب الظاهرة والخافية، تبدو جماعة الإخوان ـ كأقدار الزواج ـ مما لا يمكن تجنبه في دفتر أحوال السياسة المصرية الآن . واستعادة 'عقد زواج' الإخوان مع المعارضة الراديكالية ممكن جدا، وبالذات بعد تاريخ 5 كانون الاول/ديسمبر 2010، وهو خط النهاية لمشهد الانتخابات البرلمانية العبثية، الذي سيخرج منه الإخوان ـ على الأرجح ـ بخفى حنين، وفي بيئة جراح دامية بعد الصدمة، نتصور أن المعارضة الراديكالية مدعوة للتحرك بسرعة، وبطرق الحديد وهو ساخن، وطرح برنامج مباشر لتطوير المقاومة المدنية والعصيان السلمي، فلم يعد أمام الراغبين في التغيير من خيار آخر، بعد ان انسد طريق النصيحة بالتناحة الاجتماعية والعقلية لنظام معلق، وبعد أن انسد طريق الانتخابات، وبعد أن انفضحت طبيعة الجماعة الحاكمة كجماعة للنهب العام تستند إلى عصا للكبت العام، تحكم بالوكالة عن الأمريكيين والإسرائيليين، وتنتهي بالبلد إلى خراب مستعجل، وباقتصاد ريعي هش، أنهكت موارده الأزمة المالية العالمية، وتنهك مصارفه ارتفاع أسعار الغذاء مجددا، وهو ما يؤثر بشدة على الدخل المصري، ويشعل حرائق الغلاء الجنوني، ويفاقم مآزق الإفقار والبطالة والعوز العام، ويزيد من احتقان السطح السياسي والاجتماعي، خاصة مع إهدار النظام لأحكام المحكمة الإدارية العليا، التي قررت تفكيك اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل وإلغاء الحرس الجامعي وبطلان عقد 'مدينتي' وتقرير حد أدنى للأجور بأربعة أضعاف الوضع الحالي، وقيمة هذه الأحكام ظاهرة، فهي إدانة قضائية عليا لاختيارات النظام الأساسية، تسحب الغطاء القانوني لوجود النظام، وتضيف مددا لحق المعارضة الراديكالية في إهدار وجود نظام يهدر أحكام القضاء، ويزور المؤسسات بالجملة، ويقضي بقية وقته في حفلات تنكرية تلبس فيها الجماعة 'جلابية' الدولة .
ولا تبدو الدعوة للعصيان السلمي خيالية في مصر الآن، فقد تواترت مظاهر العصيان تباعا في السنوات الأخيرة بالذات، كانت مغامرة نقد الرئيس، ووضعه في عين العاصفة، عصيانا ظاهرا لنصوص دستور يعطي العصمة للرئيس، ولقانون عقوبات يجرم المساس باسمه، ولعرف تواتر لآلاف السنين في مصر، وجعل من الحاكم إلها أو نصف إله، ثم كان الخروج للشارع ـ بمبادرات كفاية وأخواتها ـ عصيانا لقوانين تحظر الاحتجاج والتظاهر والاعتصام والإضراب السلمي، والمطلوب الآن: القفز بنزعة العصيان إلى عصيان سياسي، يسقط الاعتراف بمؤسسات النظام المزورة بالكامل، ويتحدى وجودها بالبرلمان الموازي والنظام الموازي الموصوف في خطة كفاية، فقد قدمت كفاية مبادرة هي الأولى من نوعها، وجمعت لها تأييد مئات من الشخصيات الراديكالية وممثلي الأحزاب والحركات وقادة الإضرابات والاعتصامات الاجتماعية، وفي صورة بيان من صفحة واحدة حمل عنوان (نداء للمصريين)، يتضمن صياغة لمرحلة انتقالية لمدة سنتين تعقب الإنهاء السلمي لحكم مبارك وعائلته، يدير البلد خلالها رئيس محايد وحكومة ائتلاف وطني، وتنفذ جملة إجراءات وطنية واجتماعية وديمقراطية تنتهي بصياغة دستور جديد عبر جمعية تأسيسية منتخبة، وبشرط ظاهر لبدء مرحلة الانتقال هو إنهاء حكم مبارك بشخصه أو بنسخه المورثة، وبطريق المقاومة المدنية والعصيان السلمي، وهو ما تتوافر ظروفه الآن مع انكشاف تحول النظام إلى جماعة نهب، والمطلوب العاجل، إحلال فكرة المنازعة محل فكرة المعارضة، وإقامة برلمان مواز لبرلمان التزوير، على أن يختار البرلمان الموازي مجلسا رئاسيا موازيا للرئاسة المفروضة باختيار الأمريكيين والإسرائيليين، ويتألف البرلمان الموازي ـ في تصور كفاية ـ من خمسمئة شخصية، من بينها نواب المعارضة الحاليون والسابقون على مدى ثلاثين سنة خلت، والانتقال بنزاع الشرعية إلى فضاء الشارع، والاعتصام بقوة الناس، والبدء في تحرك شعبي يهدف لتنحية إدارة مبارك، والدخول في المرحلة الانتقالية الموصوفة، على أن يبدأ التحرك فور إعلان نتائج الانتخابات المزورة، وبمطلب مباشر هو إسقاط الاعتراف بنتائج الانتخابات المزورة، والمطالبة بإعادتها بإدارة قضائية كاملة بديلا عن نظام المزورين، فهكذا تفعل كل الأمم الحية، وهكذا ينبغي أن تفعل كل المعارضات الحية، ولا يصح لأحد أن يستعين بمصر، فهي تبدو هادئة كصفحة النيل، لكنها ـ في مقام الصحو ـ داهسة كأقدام الفيل.
"
واللعبة متصلة بالطبع حتى غايتها وتاريخها، والباقي مشاهد تمثيلية فقيرة تحاكي ما يحدث عادة في الانتخابات، في الحال ضجة مفتعلة من لزوم ما يلزم، وفي الاستقبال يبدو الأمر أكثر وضوحا، فالانتخابات الافتراضية للبرلمان تمهد لانتخابات افتراضية لاحقة على مقعد الرئاسة، وسلطات البرلمان صورية، بينما سلطة الرئيس فعلية وقابضة، وكما كان الرئيس مبارك هو الذي عين أعضاء مجالس المحليات ومجلس الشورى، فهو الذي يعين ـ بالمرة ـ أعضاء مجلس الشعب، ومن وراء قناع انتخابي تنكري، وهو التصور ذاته الذي يحكم عملية اختيار الرئيس، وفي خطوات مدارة تماما بتسهيلات التعديلات الدستورية الموضوعة على المقاس العائلي، التي انتهت بقصص الانتخابات كلها إلى تعيينات بالأمر المباشر، وفي الموعد المضروب لتجديد الرئاسة أواخر 2011، تكون لمبارك فرصة الاختيار، فإما أن يعين الرئيس نفسه مجددا إذا طال به العمر وتراخت الأقدار، أو أن يعين شخصا آخر يجري الاتفاق عليه الآن مع الأمريكيين والإسرائيليين، وفي صورة استنساخ مطابق لشخصية الرئيس الحالي، الذي وصفه الجنرال بنيامين بن اليعازر بأنه 'أعظم كنز استراتيجي لإسرائيل'.
الصورة على هذا النحو تبدو محبطة، وتعني احتجاز مصر في 'جراج' التاريخ لعمر آخر، وهذه خطيئة الذين قرروا المشاركة في انتخابات تحولت إلى تعيينات وأفلام كارتون، فهم بالوعي أو بدونه، يضفون شرعية مصنوعة على عملية اغتصاب مباشر للسلطة، ويضفون جدية مفتعلة على لعبة هزلية بالكامل، ويلحقون بمعنى المعارضة عارا أخلاقيا وسياسيا، لا نقصد هنا ما يسمى بالأحزاب الشرعية، فقياداتها تحولت إلى زوائد إضافية لجهاز أمن الدولة، بل نقصد، بالذات، جماعة الإخوان المسلمين وعددا من المعارضين الجديين المستقلين، وقد انزلق هؤلاء إلى لعب دور 'المرمطون' في عمل مسرحي رديء، ويمهد كما هو مرسوم، لمسرحية تعيين الرئيس، التي يتقدم إليها ' كومبارسات' من الأحزاب إياها، تعيد تنصيب الرئيس المختار بعناية الأمريكيين والإسرائيليين .
وفي حوارات متصلة خلال الأيام الأخيرة، جرى بعضها في معية مرشد جماعة الإخوان، حاولنا في حركة كفاية لجم الانزلاقات الخطرة، وحاول معنا آخرون من الجمعية الوطنية للتغيير والهيئات المقاطعة عموما، وطرحنا على قادة الإخوان فكرة الخروج من المستنقع، وسحب مرشحي الإخوان والمعارضين الجديين، وترك حزب الرئيس يلعب مع نفسه، ومع أحزابه الموصولة بجهاز أمن الدولة، ولم نجد تجاوبا معقولا للأسف، فقد تصوروا، أو صوروا، أننا ندعوهم للانسحاب من معركة، بينما لا معركة ولا يحزنون، خاصة وهم يسلمون معنا بأن القصة كلها تزوير في تزوير، وتفتقر إلى أبسط معاني الشرعية.
وفي هذه اللحظة، وعلى مرمى أيام من خط المهزلة، تبدو المعارضة الراديكالية في حرج موقوت، فقد قررت مقاطعة ألعاب النظام الانتخابية كلها، ودعت إلى نزع رداء الشرعية المفتعلة، وإلى المقاومة المدنية والعصيان السلمي، ونجحت في جمع هيئات من كافة التيارات الفكرية والسياسية، ورفد تجمع المقاطعة بكافة ألوان الطيف.
كانت حركة كفاية هي التي بادرت بالدعوة للمقاطعة، ثم انضمت إليها الجمعية الوطنية للتغيير، وأحزاب الكرامة والعمل والغد والجبهة الديمقراطية والوسط والاشتراكيون الثوريون وحركة اليسار المقاوم والحزب الشيوعي المصري، أي أن المقاطعة شملت هيئات وجماعات ناصرية وإسلامية وليبرالية ويسارية، وكان الأمل منعقدا على انضمام جماعة الإخوان لخط المقاطعة، وهو ما حدث عكسه للأسف، وثمة رجاء أن تكون خسارة الإخوان موقوتة، فهم أكبر جماعة شعبية خارج النظام، وإضافتها لمعسكر المعارضة الراديكالية تعني الكثير، وتستحق جهدا مخلصا موصولا، رغم التردد الفطري لقيادة الإخوان، ووقوعها دائما في خانة 'البين بين'، ونزعتها 'الإرجائية' إلى الأجل غير المسمى، رغم كل هذه المعايب الظاهرة والخافية، تبدو جماعة الإخوان ـ كأقدار الزواج ـ مما لا يمكن تجنبه في دفتر أحوال السياسة المصرية الآن . واستعادة 'عقد زواج' الإخوان مع المعارضة الراديكالية ممكن جدا، وبالذات بعد تاريخ 5 كانون الاول/ديسمبر 2010، وهو خط النهاية لمشهد الانتخابات البرلمانية العبثية، الذي سيخرج منه الإخوان ـ على الأرجح ـ بخفى حنين، وفي بيئة جراح دامية بعد الصدمة، نتصور أن المعارضة الراديكالية مدعوة للتحرك بسرعة، وبطرق الحديد وهو ساخن، وطرح برنامج مباشر لتطوير المقاومة المدنية والعصيان السلمي، فلم يعد أمام الراغبين في التغيير من خيار آخر، بعد ان انسد طريق النصيحة بالتناحة الاجتماعية والعقلية لنظام معلق، وبعد أن انسد طريق الانتخابات، وبعد أن انفضحت طبيعة الجماعة الحاكمة كجماعة للنهب العام تستند إلى عصا للكبت العام، تحكم بالوكالة عن الأمريكيين والإسرائيليين، وتنتهي بالبلد إلى خراب مستعجل، وباقتصاد ريعي هش، أنهكت موارده الأزمة المالية العالمية، وتنهك مصارفه ارتفاع أسعار الغذاء مجددا، وهو ما يؤثر بشدة على الدخل المصري، ويشعل حرائق الغلاء الجنوني، ويفاقم مآزق الإفقار والبطالة والعوز العام، ويزيد من احتقان السطح السياسي والاجتماعي، خاصة مع إهدار النظام لأحكام المحكمة الإدارية العليا، التي قررت تفكيك اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل وإلغاء الحرس الجامعي وبطلان عقد 'مدينتي' وتقرير حد أدنى للأجور بأربعة أضعاف الوضع الحالي، وقيمة هذه الأحكام ظاهرة، فهي إدانة قضائية عليا لاختيارات النظام الأساسية، تسحب الغطاء القانوني لوجود النظام، وتضيف مددا لحق المعارضة الراديكالية في إهدار وجود نظام يهدر أحكام القضاء، ويزور المؤسسات بالجملة، ويقضي بقية وقته في حفلات تنكرية تلبس فيها الجماعة 'جلابية' الدولة .
ولا تبدو الدعوة للعصيان السلمي خيالية في مصر الآن، فقد تواترت مظاهر العصيان تباعا في السنوات الأخيرة بالذات، كانت مغامرة نقد الرئيس، ووضعه في عين العاصفة، عصيانا ظاهرا لنصوص دستور يعطي العصمة للرئيس، ولقانون عقوبات يجرم المساس باسمه، ولعرف تواتر لآلاف السنين في مصر، وجعل من الحاكم إلها أو نصف إله، ثم كان الخروج للشارع ـ بمبادرات كفاية وأخواتها ـ عصيانا لقوانين تحظر الاحتجاج والتظاهر والاعتصام والإضراب السلمي، والمطلوب الآن: القفز بنزعة العصيان إلى عصيان سياسي، يسقط الاعتراف بمؤسسات النظام المزورة بالكامل، ويتحدى وجودها بالبرلمان الموازي والنظام الموازي الموصوف في خطة كفاية، فقد قدمت كفاية مبادرة هي الأولى من نوعها، وجمعت لها تأييد مئات من الشخصيات الراديكالية وممثلي الأحزاب والحركات وقادة الإضرابات والاعتصامات الاجتماعية، وفي صورة بيان من صفحة واحدة حمل عنوان (نداء للمصريين)، يتضمن صياغة لمرحلة انتقالية لمدة سنتين تعقب الإنهاء السلمي لحكم مبارك وعائلته، يدير البلد خلالها رئيس محايد وحكومة ائتلاف وطني، وتنفذ جملة إجراءات وطنية واجتماعية وديمقراطية تنتهي بصياغة دستور جديد عبر جمعية تأسيسية منتخبة، وبشرط ظاهر لبدء مرحلة الانتقال هو إنهاء حكم مبارك بشخصه أو بنسخه المورثة، وبطريق المقاومة المدنية والعصيان السلمي، وهو ما تتوافر ظروفه الآن مع انكشاف تحول النظام إلى جماعة نهب، والمطلوب العاجل، إحلال فكرة المنازعة محل فكرة المعارضة، وإقامة برلمان مواز لبرلمان التزوير، على أن يختار البرلمان الموازي مجلسا رئاسيا موازيا للرئاسة المفروضة باختيار الأمريكيين والإسرائيليين، ويتألف البرلمان الموازي ـ في تصور كفاية ـ من خمسمئة شخصية، من بينها نواب المعارضة الحاليون والسابقون على مدى ثلاثين سنة خلت، والانتقال بنزاع الشرعية إلى فضاء الشارع، والاعتصام بقوة الناس، والبدء في تحرك شعبي يهدف لتنحية إدارة مبارك، والدخول في المرحلة الانتقالية الموصوفة، على أن يبدأ التحرك فور إعلان نتائج الانتخابات المزورة، وبمطلب مباشر هو إسقاط الاعتراف بنتائج الانتخابات المزورة، والمطالبة بإعادتها بإدارة قضائية كاملة بديلا عن نظام المزورين، فهكذا تفعل كل الأمم الحية، وهكذا ينبغي أن تفعل كل المعارضات الحية، ولا يصح لأحد أن يستعين بمصر، فهي تبدو هادئة كصفحة النيل، لكنها ـ في مقام الصحو ـ داهسة كأقدام الفيل.
"
No comments:
Post a Comment