An Excellent Editorial (Arabic)
عبد الباري عطوان
"فجأة، وبدون اي مقدمات، يتحول ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي الي حمل وديع يبدي تعاطفا غير مسبوق مع جيرانه الفلسطينيين، ويعدهم بالانسحابات وقيام الدولة المستقلة المتواصلة جغرافيا، والافراج عن اموالهم المحتجزة لديه، واقامة مشاريع صناعية حدودية توفر لهم الوظائف، وتغنيهم عن تنظيف مراحيض المستوطنين في تل ابيب والقدس المحتلة.
تري ما الذي أحدث هذا التغيير الكبير في موقف اولمرت، وهو الذي كان حتي الامس القريب وقبل يومين فقط، يرسل طائراته ودباباته لقتل اكبر عدد منهم واطفالهم، وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم، ووضع الخطط لاجتياح قطاع غزة بالكامل، واعادة احتلال ممر صلاح الدين علي الحدود المصرية ـ الفلسطينية!
الاجابة تكمن في الجولة الحالية للرئيس الامريكي جورج بوش، التي ستبدأ غدا في العاصمة الاردنية عمان، والزيارة الخاطفة التي سبقتها وقام بها المستر ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي الي المملكة العربية السعودية، والزيارة الثالثة الاخري التي سبقت الاثنتين وتمثلت في توقف السيد رجب اردوغان رئيس وزراء تركيا في العاصمة الاردنية ايضا.
جميع هذه التحركات تصب في هدف واحد، وهو تشكيل محور سني يقدم الغطاء الشرعي للضربة الامريكية، او ربما الاسرائيلية، القادمة للمفاعل النووي الايراني الذي تراه واشنطن خطرا علي هيمنتها الحالية علي منطقة الخليج العربي حيث ثلثا احتياطات النفط في العالم.
ومثلما قدم العرب والايرانيون معا، سنة وشيعة، الغطاء الشرعي لغزو العراق واحتلاله، واطاحة النظام الحاكم فيه للأسباب نفسها، تحت ذريعة اجتياح الكويت اولا (حرب الصحراء عام 1991) ومحاولة امتلاكه اسلحة دمار شامل تهدد جيرانه ثانيا (غزو عام 2003)، ها هم يستعدون لتشكيل تكتل سني محض هذه المرة، يدعم الضربة الامريكية شبه المؤكدة لايران.
فليس من قبيل الصدفة ان يذهب ديك تشيني نفسه الي العاصمة السعودية الرياض في زيارة خاطفة غير معلنة، فهو الذي هندس الحرب الاولي لاخراج القوات العراقية من الكويت، وهو الذي اقنع العاهل السعودي الملك فهد في حينه باستقبال نصف مليون جندي امريكي علي ارض بلاده، عندما كان وزيرا للدفاع في حكومة بوش الأب.
ومن المفارقة، ان الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد في ذلك الوقت، قد عارض استقبال القوات الامريكية، وموافقة اخيه الملك المتعجلة في هذا الصدد حسبما ذكر الجنرال نورمان شوارتزكوف قائد القوات الامريكية في حينه، ولا نعرف كيف كان رد فعله، وبعد ان اصبح ملكا، علي مخططات الادارة الامريكية المستقبلية تجاه ايران، التي عرضها عليه ديك تشيني نفسه عندما التقاه في اجتماع مغلق في الرياض قبل بضعة ايام.
العاصمة الاردنية عمان اصبحت كعبة يحج اليها الاعضاء المرشحون للانضمام الي التكتل الجديد. فالسيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية يصلها اليوم الثلاثاء، وكان قد وصلها بالامس السيد حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين السنية، بينما يستعد السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق الجديد للهبوط في مطارها لعقد قمة ثنائية مع الرئيس الامريكي الزائر.
فالتقسيم الطائفي الذي رسخت جذوره الادارة الامريكية في العراق، واسفر عن الحرب الاهلية الحالية التي تحصد ارواح المئات يوميا، يريد الرئيس جورج بوش ومساعدوه تعميمه في منطقة الشرق الاوسط بأسرها. ولن يكون مفاجئا بالنسبة الينا اذا ما شاهدنا حربا طائفية اكثر اتساعا تستخدم فيها الطائرات الحربية والصواريخ في غضون عام او اكثر قليلا، تنخرط فيها جيوش المنطقة.
فالهلال الشيعي الذي تحدث عنه الملك عبد الله الثاني عاهل الاردن قبل عام ونصف العام، واعتقد البعض انه زلة لسان او سوء تقدير، بات حقيقة من وجهة نظر الادارة الامريكية، وبات يمتد من ايران الي شواطيء البحر المتوسط اللبنانية مرورا بالعراق وسورية. ولهذا لا بد من مواجهته بهلال سني محكم برعاية امريكية، تنضوي تحت عباءته كل من الاردن ومصر والسعودية ودول الخليج علاوة علي تركيا.
توني بلير رئيس وزراء بريطانيا كان اول من تحدث عن هذا الهلال السني، اثناء محاضرة القاها قبل ثلاثة اشهر في جولة له في ولاية كاليفورنيا، ولكنه استخدم كلمة قوس بدلا من كلمة هلال لانه لا يكن الكثير من الود للمسلمين ومصطلحاتهم.
وحتي تترسخ قاعدة الهلال او القوس الجديد، لا بد من رمي جزرة او عظمة الي الفلسطينيين لاسكاتهم، او بالاحري لالهائهم مرة اخري، تماما مثلما تم الضحك عليهم قبيل حرب العراق الاولي من قبل بوش الاب الذي وعدهم بالمؤتمر الدولي لحل قضيتهم، وبوش الابن الذي تعهد بدولة فلسطينية مستقلة في عام 2005 لتمرير حرب العراق الثانية.
في المرة الاولي، وقبل 15 عاما، انعقد المؤتمر الدولي ولم يسفر الا عن خيبة الامل، وفي المرة الثانية مر عام 2005، وكاد العام الحالي الذي يليه ان ينتهي ووعد الدولة الفلسطينية المستقلة في رحم الغيب، وكوفيء الفلسطينيون بعد انتصار بوش في العراق بالحصار والجوع ومجازر بيت حانون والشاطيء ورفح وجنين. والشيء نفسه سيتكرر مع مبادرة اولمرت الحالية، وكرمه الحاتمي غير المحدود الذي تحدث عنه بإسهاب في خطابه يوم امس الاول.
العرب مقدمون علي خديعة جديدة، ربما تكون اكثر خطورة من ثورتهم ضد الامبراطورية العثمانية، وتعاونهم مع الانكليز حيث كوفئوا بضياع فلسطين وتقسيم اراضيهم بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني. فاللاعبون انفسهم تقريبا، والقوي الغربية التي استغلت غباءهم هي نفسها.
نفهم ان يكون العرب، ونحن نتحدث هنا عن الحكومات، اغبياء قبل قرن، ولا يفهمون ما يحاك لهم من دسائس ومؤامرات في الغرف المغلقة، فقد كانت الأمية طاغية وتشمل الحكام والمحكومين علي حد سواء، ولكن لا نفهم ان يستمر هذا الغباء وبصورة اكبر في القرن الواحد والعشرين، حيث ثورة الاتصالات والفضائيات والجامعات والانترنت.
اطاح العرب بالنظام العراقي بأوامر امريكية فحصدوا الحرب الأهلية والتطرف وسلموا العراق لميليشيات طائفية حاقدة طمست هويته العربية ومزقت اوصاله. والآن يستعدون لحرب ضد ايران تحت علم رئيس امريكي حاقد علي العرب والمسلمين، لا يفرق بين سني وشيعي في كراهيته، فماذا ستكون النتائج غير انتقام ايراني يدمر مدنهم ويقتل مئات الآلاف من ابنائهم ويحرق آبارهم النفطية؟
ايران التي تملك ترسانة ضخمة من الصواريخ والاسلحة الحديثة لن تستطيع الانتقام من امريكا لانها بعيدة، ولكنها قطعا ستنتقم من حلفائها العرب، ومن الدولة العبرية، فهل هذا فخر للعرب ان يدمروا دولة اسلامية، ويوضعوا مع اسرائيل في كفة واحدة كهدف للانتقام الايراني، ودون ان يقبضوا اي ثمن يستحق كل هذا الخراب من الولايات المتحدة، مثلما كان عليه الحال في كل حروبهم السابقة؟"
No comments:
Post a Comment