A Great Analysis (Arabic)
عبد الباري عطوان
"تقف المنطقة العربية حاليا علي اعتاب حرب اقليمية طائفية جديدة، ليس بين العرب والاسرائيليين مثلما يتبادر الي الاذهان، وانما بين الشيعة والسنة العرب للأسف الشديد.
السنة العرب بقيادة مصر والمملكة العربية السعودية والاردن، والشيعة بزعامة ايران ومن يتحالف معها من العرب سنة وشيعة، وخاصة سورية وحركتي حماس في فلسطين و حزب الله في لبنان.
فالادارة الامريكية تريد تعميم الحرب الأهلية الطائفية التي تسببت فيها، ولكن علي مستوي الانظمة اي جرها اليها. ووقفت خلفها في العراق، علي مختلف ارجاء المنطقة لتغطية فشل مشروعها في العراق اولا، وتوفير الغطاء العربي السني لحربها القادمة المتوقعة ضد ايران لتحييد، او بالأحري تدمير، برنامجها النووي الذي قد يشكل خطرا علي طموحاتها في الهيمنة علي منابع النفط واحتياطاته في الخليج.
هناك عدة مؤشرات اساسية تؤكد علي هذا الاستنتاج:
اولا: فتح القاهرة ابوابها علي مصراعيها امام الاحزاب والجماعات السنية العراقية، وسماحها بعد طول انتظار للشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق، بعقد مؤتمر صحافي في نقابة الصحافيين المصريين، اتهم فيه علنا الحكومة العراقية الحالية بالطائفية والتواطؤ مع الميليشيات التي تستهدف قتل ابناء الطائفة السنية. فالحكومة المصرية كانت دائما الي جانب المشروع الامريكي في العراق، ومن ابرز المتحمسين للحكومة الحالية التي انبثقت عنه.
ثانيا: الانقلاب الكبير في الموقف السعودي، الذي عبر عنه امس السيد نواف عبيد المستشار الامني للحكومة السعودية في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست المقربة من المؤسسة الامريكية الحاكمة، وقال فيه ان بلاده ستتدخل في العراق باستخدام الاموال والأسلحة وسلاح النفط للحيلولة دون قيام الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران بقتل المسلمين السنة في العراق .
وذهب السيد عبيد وهو لا ينطق عن هوي الي ما هو ابعد من ذلك عندما قال ان غض الطرف عن قتل السنة العراقيين سيكون نبذا للمباديء التي قامت عليها المملكة، وسيقوض مصداقية السعودية في العالم السني واعترف ان التدخل السعودي في العراق ينطوي علي مخاطر كبيرة من بينها اثارة حرب اقليمية ، وقال وليكن كذلك فعواقب عدم التدخل اسوأ بكثير .
ثالثا: تأكيد مستشار الأمن القومي الامريكي ستيفن هادلي بان حكومة المالكي لم تعد قادرة علي السيطرة علي الاوضاع في العراق، واطلاق هذه التصريحات قبيل القمة الحاسمة بين الرئيس جورج بوش والسيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق.
رابعا: تزايد التسريبات حول قلق القيادات العربية في المثلث المصري ـ السعودي ـ الاردني من عمليات التشييع المتسارعة لأهل السنة في اكثر من مكان في الوطن العربي وخاصة في سورية ولبنان ودول المغرب العربي، وقد نقلت وكالة رويترز يوم امس عن احد كبار المسؤولين العرب في الاردن دون ان تسميه، وجود قلق بالغ في هذا الصدد.
خامسا: الغاء اللقاء الثلاثي بين العاهل الاردني والرئيس الامريكي جورج بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في عمان، واقتصاره علي الجانبين الاردني والامريكي، وعدم توجيه الدعوة للسيد المالكي لحضور العشاء الرسمي الذي يقيمه العاهل الاردني لضيفه الامريكي.
السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو حول الدوافع وراء هذا التحول المفاجيء في مواقف دول المحور السني الاردني ـ السعودي ـ المصري، من حيث التراجع عن دعم الحكومة العراقية المنتخبة، والمنبثقة عن مشروع الاحتلال الامريكي الذي حظي بمساندتها، ودعم الجماعات السنية بهذا الوضوح!
هناك تفسيران لا ثالث لهما، الاول ان تكون الولايات المتحدة تدعم هذا التوجه الجديد وتحرض عليه وهو الأرجح، والثاني ان تكون هذه الدول قد افاقت من سباتها العميق، وقررت التمرد علي السياسة الامريكية في المنطقة انقاذا لنفسها قبل انقاذ العراق، وهو احتمال ضعيف.
فاللافت ان هذا التحول في الموقف السعودي علي وجه التحديد جاء بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي الي الرياض في الاسبوع الماضي، وهي الزيارة التي يعتقد الكثير من المراقبين انها وضعت اسس التحرك المقبل في المنطقة علي صعيد الملفين العراقي والايراني.
فعندما يتحدث السيد نواف عبيد المستشار الأمني للعاهل السعودي عن ثلاثة خيارات تأخذها الحكومة السعودية في عين الاعتبار، من بينها دعم زعماء السنة، وبالتحديد البعثيون السابقون عماد المقاومة العراقية من أفراد القوات العراقية السابقة بالمساعدات نفسها التي يتلقاها الشيعة من ايران، اي الأموال والأسلحة وتشكيل كتائب سنية جديدة لقتال الميليشيا المدعومة من ايران، واستعداد المملكة لاغراق الاسواق بكميات اضافية من النفط لتخفيض اسعاره، وبما يؤدي الي تضييق الخناق علي ايران وتصعيب تمويلها للميليشيات الشيعية العراقية بالاموال، نقول عندما يتحدث السيد عبيد بهذه اللغة التهديدية الواضحة فإننا امام مواقف انقلابية سعودية غير مسبوقة.
دول المحور السني الجديد هي التي تتحمل مسؤولية كل ما حدث في العراق، لانها تواطأت مع مشروع الغزو الامريكي، وكان القادة العراقيون زعماء الميليشيات الشيعية من امثال السيد محمد باقر الحكيم، وشقيقه الذي حمل الراية بعد اغتياله عبد العزيز الحكيم، والسيد مقتدي الصدر، وابراهيم الجعفري، وغيرهم من الزوار الدائمين للعاصمة السعودية الرياض. ومن المفارقة ان السيد حارث الضاري زعيم هيئة علماء المسلمين لم يزرها الا من النافذة، وتحت غطاء اداء العمرة، اي انه لم يتلق دعوة رسمية كقيادة عراقية مثل الآخرين.
من الواضح ان هناك مخططا ما لتوريط العرب مجددا في الحرب الاهلية العراقية، كمقدمة لتوريطهم في اي حرب قادمة ضد ايران. اي انه مطلوب من العرب، مثلما جرت العادة، ان يصلحوا الخراب الذي احدثته المغامرات الامريكية الفاشلة في هذا البلد المنكوب.
نصرة العراق، وانقاذه كانا مطلبنا، ومطلب كل عربي حر شريف، بل اننا عارضنا الغزو الامريكي لتغيير النظام ليس لاننا نؤيد الديكتاتورية بل لاننا نعلم جيدا ما يمكن ان يحدث من خلل اقليمي استراتيجي من جراء هذا الغزو، علاوة علي خلق دولة فاشلة في العراق علي غرار ما حدث في افغانستان، وايجاد حالة من الفوضي وعدم الاستقرار تودي بحياة مئات الآلاف من العراقيين. وقلنا وفي هذا المكان، قبل اربع سنوات، ان الحرب الحقيقية ستبدأ بعد احتلال العراق.
ليس هناك اي ضرر من ان يخوض العرب الحرب من اجل مصالحهم، ومواجهة الاخطار التي تهددهم، ولكن ما نراه ان العرب، والانظمة الرسمية لا يخوضون الا حروب امريكا، ومن اجل الحفاظ علي مصالحها التي هي في النهاية مصالح اسرائيل. والا لماذا لا يدعمون المقاومة في فلسطين بالمال والسلاح ايضا؟
المقاومة العراقية هي التي قلبت كل المعادلات الامريكية في المنطقة، وبدون اي مساعدة من اي دولة عربية، بل ورغم تآمر هذه الدول عليها وانخراطها في المشروع الامريكي. واكثر ما نخشاه ان يكون التحرك العربي الجديد الذي يتخفي خلف عناوين انقاذ السنة في العراق هو لذبح هذه المقاومة بعد ان اقتربت من تحقيق النصر، وانقاذ المشروع الامريكي من الانهيار المهين."
No comments:
Post a Comment