Tuesday, March 17, 2009

غباء أميركي وإسرائيلي

عبد الستار قاسم

على المستوى العربيمأزق القضية الفلسطينيةعلى المستوى الفلسطينيعلى المستوى العراقيعلى المستوى الإسلاميحصاد خاسر

".....
أغلب الأنظمة إما منصّبة من الاستعمار الغربي وبرعاية أميركية الآن، أو محمية عسكريا من الأميركيين أو ممولة من أهل الغرب عموما. فقط أميركا وإسرائيل تسعيان بصورة واضحة إلى صناعة حالة عدم الاستقرار في قلة من الدول العربية تتمرد جزئيا على سياستيهما، وتحاول بصورة متواضعة تغيير الأوضاع في المنطقة
....
الدولتان تعملان عن سابق إصرار وتعمد على الإبقاء على الاستبداد العربي لأنه وحده الذي يطوع الأمة العربية ومقدراتها لهما. تتبادل الأنظمة العربية مع أميركا وإسرائيل المصالح: الأنظمة تريد البقاء في السلطة، وإسرائيل وأميركا تريدان السيطرة ونهب الثروات وإبقاء العرب ضعفاء متخلفين. في نفس الوقت يخدم التشهير بالأنظمة تلميع صورة إسرائيل على المستوى الشعبي الغربي، وإبقاء الأنظمة العربية تحت وطأة الشعور بالدونية
....
ربما يكون العرب أقل الناس احتراما في العالم، وأكثرهم عرضة للإهانات والهزائم. السبب هو أن أهل الغرب يصرون على إبقاء الأنظمة العربية ضعيفة حتى لا تفكر يوما بالحرية أو الثأر لشرف أهين أو أرض استبيحت أو كرامة انتهكت, ولا يتوانون في ضرب أي نظام عربي يجمع القوة ويبدأ يبشر بخلاص الأمة من نير المستعمرين
.....
هل مثل هذه الأنظمة قادرة في النهاية على الاستمرار في خدمة إسرائيل وأميركا بدون عراقيل؟ أغلب الأنظمة العربية مرتاحة للخدمات التي تقدمها، لكنها في كثير من الأحيان تجد نفسها في وضع صعب لأنها تواجه وعيا عربيا متزايدا.

صحيح أن الوعي العملي لم يتطور حتى الآن ليشكل خطورة على الأنظمة، لكن الوعي النظري بحقيقة الأنظمة يزداد يوما بعد يوم، وإسرائيل وأميركا تساعدان في ذلك عبر سياستيهما اللتين لا تعيران انتباها لأهمية الإبقاء على بعض الكرامة لمن يقدمون لهم الخدمات
....
حاولت هذه الأنظمة إنجاز شيء للفلسطينيين عبر السنوات وفشلت فشلا ذريعا من ناحية الحقوق ومن ناحية إيقاف إجراءات إسرائيل في تهويد الأرض المحتلة عام 1967. قدمت القمة عام 2002 مبادرة هزيلة متناسبة تماما مع هزال الأنظمة، لكن إسرائيل رفضت مجرد مناقشتها.

قدمت الأنظمة العربية تنازلات كبيرة جدا فيما يخص القضية، ومنها من اعترف بإسرائيل، ومنها من طبع العلاقات معها، ورغم ذلك رفضت إسرائيل وأميركا تقديم أي شيء لهذه الأنظمة من شأنه أن يبقي على بعض ماء الوجه لديها
.....
لم تحاول إسرائيل وأميركا بناء صورة جيدة لشركائهما، وارتاحت الدولتان لعملية الفساد والانفلات الأمني التي سادت الضفة الغربية وغزة، وكأنهما راهنتا على أن مطلب الشعب الفلسطيني سيصبح مستقبلا البحث عن حل لمشاكلهم لدى إسرائيل فقط.

كانت تدرك إسرائيل أن الاتفاق معها خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني لا يمكن أن ينفذه فلسطينيون محترمون، وإنما فلسطينيون ساقطون جاهزون لبيع أنفسهم مقابل الغنائم والمتع. ولهذا مدّت للسلطة الفلسطينية حبل الجبروت على الشعب لكي تنتفي الثقة الداخلية الفلسطينية، وتتحول إلى ثقة بالمحتل والمستعمر

.... لكنها فضلت أن تتعامل مع عراة غير قادرين على ستر أي جزء من عوراتهم. إسرائيل لم تكن تبحث عن استسلام جزئي، وإنما أرادت استسلاما مع انبطاح مهين.
.....
أما إسرائيل فأفشلت أصدقاءها من العرب وشركاءها من الفلسطينيين، وكان عليها أن تخوض حربين فاشلتين ضد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. المقاومة تكسب زخما وتأييدا على الساحة العربية وهي قوية وصلبة وتزداد قوة، أما الأنظمة العربية فتشعر بالأرض تهتز من تحتها لا تدري كيف تتدبر أمورها.

ميزان القوى التقليدي في المنطقة لم يعد قائما، واستطاعت إيران أن تهزه بقوة عبر تقدمها العلمي والتقني وعبر دعم المقاومة. لم تعد إسرائيل قادرة على القيام بما كانت تقوم به في السابق، ولا الولايات المتحدة.
زمجرت أميركا ضد إيران ولم تفلح، وإسرائيل توعدت المقاومة في غزة، لكنها فشلت في كسر ظهرها
....
لم يعد بإمكان قادة العرب تمرير ما كانوا قادرين على تمريره من تنازلات في السابق، وهم الآن منهمكون في البحث عن أساليب ووسائل تجنبهم الانهيار أمام زحف إستراتيجي جديد يجتاح المنطقة.

كان بالإمكان تقوية قادة عرب وفلسطينيين عبر إعطائهم بعض الشيء ليصبحوا به أكثر جرأة على قمع شعوبهم، لكن الحكمة لا تأتي الذين يطغون في الأرض ويفسدون فيها."

No comments: