A GOOD PIECE BY ANGRY ARAB
د. أسعد أبو خليل
"محمد البوعزيزي دخل التاريخ والحاضر والمستقبل العربي من باب مُشرِّف، بصرف النظر عن مسار الأحداث في تونس. لم يكن البوعزيزي يعبّر عن محنة شخصيّة. لم يكن في وارد الاعتراض على وضعه البائس، أو على الظلم والمهانة اللذين لحقا به من نظام الطاغية بن علي. لا، البوعزيزي أراد أن يخلّصَ الشعب العربي برمّته. اعتراضه كان بالنيابة عنّا كلّنا: نحن النيام ونحن المتلهّين والمتلهّيات بالمسلسلات التلفزيونيّة والمباريات الرياضيّة وفنون الوليد بن طلال. البوعزيزي ودّع أمّه ورحل.
هل كان يُدرك ما فعلت يداه بطاغية؟
لم يكن الحدث عاديّاً. نحن العرب مُتهمون ومتهمات بالنوم على طريقة أهل الكهف. تحوّل العالم من حولنا وتجذّر الطغاة فوق صدورنا، جاثمين ـــ هم وعائلاتهم الفاسدة. عزّز الطاغية التونسي أمن نظامه البوليسي وتدرّج في أجهزة الجيش والأمن وتخرّج من كليّات قمع رفيعة في فرنسا والولايات المُتحدة (أصرّت الـ"واشنطن بوست" على أن تغفل دراسة بن علي وتدريبه في أميركا في إيراد سيرته العسكريّة). بن علي كان يُرَوّج له في الغرب دوماً، لإنشائه نظاماً بوليسيّاً حديديّاً يحظى برضى الغرب
.....
رحل بن علي وتضعضع نظامه ـــ وإن لم يسقط بعد ـــ وتطلّع نحو تونس الملايين من العرب. كم يحسدون إخوتهم وأخواتهم هناك. كم يتوقون الى التغيير الحقيقي، ولكن ليس بطريقة استبدال رئيس وزراء بآخر . لكنّهم اكتشفوا أنّ إسقاط الأنظمة أسهل بكثير مما يظنّون: لقد حصّنت أنظمة الطغاة العرب نفسها ضد الانقلابات العسكريّة (وهي شكّلت وسيلة التغيير التقليديّة في المنطقة)، لكنّها لم تحصّن نفسها ـــ ولا يمكنها أن تحصّن نفسها ـــ ضد شعوبها، إذا ثارت، بسب احتقارها الشديد لها. إنّ السهولة النسبيّة في إسقاط الأنظمة العربيّة تعود إلى غياب قطاعات وقواعد شعبيّة (حقيقيّة) لها كما هو الوضع في النظام التسلّطي الإيراني، مثلاً. صحيح أنّ أنظمة الطغاة العرب تحظى بتأييد فئة أصحاب المليارات والأبواق والمُنتفعين، لكن هؤلاء لا ينزلون إلى الشارع للدفاع عن النظام. لن يهرع أصحاب المليارات من رفاق جمال مبارك إلى الشارع لإنقاذ نظام أبيه. هؤلاء يهربون إلى أقرب سفارة، أو يلجأون إلى جدّة.
اشتعلت مع البوعزيزي حماسة العرب على «تويتر» وعلى «فايسبوك» وفي بعض الشوارع العربيّة الصامتة. الأنظمة العربيّة لاحظت ما يجري. بعضها أعلن سخاءً مُفاجئاً (مثل أمير الكويت) وبعضها الآخر (مثل الملك السعودي) دعا مواطنيه ـــ مواطناته عورات، هذا الأخير ـــ إلى الصبر الجميل ووعد بتحسين الفرص. طال صبر الشعب العربي إلى درجة أنّ هناك في الغرب، من طلع بنظريّات استشراقيّة عنصريّة تغرق في الإيغال في تفسير عبارة «إن شاء الله». وذمّ الجماهير الصابرة على الظلم من قبل أفرادها ليس عيباً. البوعزيزي ذكّرنا بذلك مجتمعين ومجتمعات. لكن، لماذا يموت المُواطن حرقاً، فيما يقبع الطاغية في قصره غير مُشتعل؟
"
د. أسعد أبو خليل
"محمد البوعزيزي دخل التاريخ والحاضر والمستقبل العربي من باب مُشرِّف، بصرف النظر عن مسار الأحداث في تونس. لم يكن البوعزيزي يعبّر عن محنة شخصيّة. لم يكن في وارد الاعتراض على وضعه البائس، أو على الظلم والمهانة اللذين لحقا به من نظام الطاغية بن علي. لا، البوعزيزي أراد أن يخلّصَ الشعب العربي برمّته. اعتراضه كان بالنيابة عنّا كلّنا: نحن النيام ونحن المتلهّين والمتلهّيات بالمسلسلات التلفزيونيّة والمباريات الرياضيّة وفنون الوليد بن طلال. البوعزيزي ودّع أمّه ورحل.
هل كان يُدرك ما فعلت يداه بطاغية؟
لم يكن الحدث عاديّاً. نحن العرب مُتهمون ومتهمات بالنوم على طريقة أهل الكهف. تحوّل العالم من حولنا وتجذّر الطغاة فوق صدورنا، جاثمين ـــ هم وعائلاتهم الفاسدة. عزّز الطاغية التونسي أمن نظامه البوليسي وتدرّج في أجهزة الجيش والأمن وتخرّج من كليّات قمع رفيعة في فرنسا والولايات المُتحدة (أصرّت الـ"واشنطن بوست" على أن تغفل دراسة بن علي وتدريبه في أميركا في إيراد سيرته العسكريّة). بن علي كان يُرَوّج له في الغرب دوماً، لإنشائه نظاماً بوليسيّاً حديديّاً يحظى برضى الغرب
.....
رحل بن علي وتضعضع نظامه ـــ وإن لم يسقط بعد ـــ وتطلّع نحو تونس الملايين من العرب. كم يحسدون إخوتهم وأخواتهم هناك. كم يتوقون الى التغيير الحقيقي، ولكن ليس بطريقة استبدال رئيس وزراء بآخر . لكنّهم اكتشفوا أنّ إسقاط الأنظمة أسهل بكثير مما يظنّون: لقد حصّنت أنظمة الطغاة العرب نفسها ضد الانقلابات العسكريّة (وهي شكّلت وسيلة التغيير التقليديّة في المنطقة)، لكنّها لم تحصّن نفسها ـــ ولا يمكنها أن تحصّن نفسها ـــ ضد شعوبها، إذا ثارت، بسب احتقارها الشديد لها. إنّ السهولة النسبيّة في إسقاط الأنظمة العربيّة تعود إلى غياب قطاعات وقواعد شعبيّة (حقيقيّة) لها كما هو الوضع في النظام التسلّطي الإيراني، مثلاً. صحيح أنّ أنظمة الطغاة العرب تحظى بتأييد فئة أصحاب المليارات والأبواق والمُنتفعين، لكن هؤلاء لا ينزلون إلى الشارع للدفاع عن النظام. لن يهرع أصحاب المليارات من رفاق جمال مبارك إلى الشارع لإنقاذ نظام أبيه. هؤلاء يهربون إلى أقرب سفارة، أو يلجأون إلى جدّة.
اشتعلت مع البوعزيزي حماسة العرب على «تويتر» وعلى «فايسبوك» وفي بعض الشوارع العربيّة الصامتة. الأنظمة العربيّة لاحظت ما يجري. بعضها أعلن سخاءً مُفاجئاً (مثل أمير الكويت) وبعضها الآخر (مثل الملك السعودي) دعا مواطنيه ـــ مواطناته عورات، هذا الأخير ـــ إلى الصبر الجميل ووعد بتحسين الفرص. طال صبر الشعب العربي إلى درجة أنّ هناك في الغرب، من طلع بنظريّات استشراقيّة عنصريّة تغرق في الإيغال في تفسير عبارة «إن شاء الله». وذمّ الجماهير الصابرة على الظلم من قبل أفرادها ليس عيباً. البوعزيزي ذكّرنا بذلك مجتمعين ومجتمعات. لكن، لماذا يموت المُواطن حرقاً، فيما يقبع الطاغية في قصره غير مُشتعل؟
"
No comments:
Post a Comment