Wednesday, November 24, 2010

الرقابة على الإعلام في غزة../


مصطفى إبراهيم

"قد يثير ما سأكتبه في هذا المقال غضب واستفزاز بعض المسؤولين في حكومة غزة، لأنني سأتناول ما يتعرض له الصحافيون ووسائل الاعلام من انتهاكات في غزة فقط، وقد يقول لي بعض منهم لماذا لم تكتب عن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في الشق الآخر من الوطن؟ فهؤلاء الصحافيين لا يرغبون في الحديث عنها وكشفها وتوثيقها لدى مؤسسات حقوق الإنسان أو التقدم بشكاوى للحكومة، ربما لعدم قناعاتهم بجدوى وجدية التحقيق فيها، أو خوفاً بسبب سطوة الرقيب الذاتي بدواخلهم أو أسباب أخرى معلومة وغير معلومة.

وبقدر ما يصاب الكاتب بالإحباط والإحجام عن الكتابة، بقدر ما يدفعه الأمل الى التغيير وضرورة رفع الصوت عاليا في وجه الظلم والقمع والانتهاكات والفساد، والتفريط في الحقوق والثوابت، والتصدي لانتهاكات حقوق الناس والتعدي على الحريات العامة، وعلى وجه الخصوص الحريات الإعلامية التي تمارسها الحكومتان في بلادنا المنقسمة على ذاتها، فالكاتب في النهاية ينتصر على إحباطه وتردده ورقيبه الذاتي، وتتملكه القوة لإيمانه وقناعاته الخاصة والراسخة بحق الناس في عدم التعدي على حرياتهم الأساسية.

خلال الأيام القليلة الماضية التقيت عددا من الأصدقاء الصحافيين، منهم من يعمل في وكالات أنباء دولية كبيرة، ومنهم من يعمل في وكالات إخبارية وطنية متميزة، استمعت منهم عن تعرضهم لانتهاكات من قبل أفراد في أجهزة الأمن، منها حجز جوازات سفر بعض منهم، ومحاولة العبث بأجهزة الحاسوب الخاص بهم، ومنهم من احتجزت بطاقة هويته الشخصية من دون مبرر مقنع.

وعن الرقابة على وكالات الأنباء المحلية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية وبعض السياسيين الحكوميين الذين يرسلون رسائل تهديد مباشرة وغير مباشرة، عدا عن الرقابة المستمرة ومحاولة التدخل في السياسة التحريرية وطريقة تناول الأخبار والمقالات النقدية وعرضها.

في غزة وقع خلال العام الجاري اعتداء بالضرب على عدد من الصحافيين، وشكلت الحكومة لجان تحقيق.. وفي غزة لا يوجد صحافيون معتقلون لدى الحكومة، لكن الحكومة لم تعلن عن نتائج التحقيق مع أفراد الأمن الذين نفذوا الاعتداءات على الصحافيين.. وفي غزة تجد طرفا في حماس وحكومتها من يستنكر تلك الاعتداءات والتدخل في حل بعض الإشكالات التي تعترض عمل الصحافيين.

ومع ذلك تفرض الحكومة رقابة على وسائل الاعلام والصحافيين، والتدخل في ما يكتبون وما ينقلونه من أخبار، والأجهزة الأمنية لا تقوم باستدعاء الصحافيين والتحقيق معهم وتوجيه التهم لهم، لكنها تستدعي الدكتور إبراهيم أبراش وغيره وتطلب منه عدم توجيه النقد أو التحريض في مقالاته ضد الحكومة وحركة حماس! وتلمح لآخرين بالتوقف عن توجيه النقد للحكومة التي تراقب كل وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة.

وليس مفاجئاً لأي صحافي أن يتلقى رسالة نصية أو مكالمة على هاتفه المحمول، ويسمع على الطرف الآخر من يقول له إن تقريركم سيئ جدا، وغير ذلك من التهم والتهديد بقرب النهاية!.

فالرقابة لها تأثير سلبي كبير في نفوس الصحافيين، وخطيرة جداً، الهدف منها تخويف الصحافيين وإرهابهم وجعلهم يقوموا بدور الرقيب الذاتي ونقل الأخبار والكتابة كما تريده الحكومة، وصولا الى تكميم الأفواه، فالحكومات عادة ما ترى في الصحافيين والكتاب أعداء لها، ومناهضين لسياساتها وخططها، ولا ترى دورهم التنويري والناقد لتلك السياسات وتصويب الأخطاء.

في ظل التقدم الكبير في حصول الناس على المعلومات وتداولها، وفي ظل ما يجري من تقييد للحريات الإعلامية بطرق مباشرة وغير مباشرة بفرض رقابة على الصحافيين ووسائل الاعلام، يكون الخاسر الوحيد الحكومة وحركة حماس، وليس الناس والصحافيين، وعلى الحكومة وحركة حماس أن لا تنتظر من الصحافيين ووسائل الاعلام تقديم الشكر والثناء على ما تقوم به حتى لو كان إيجابياً، فالأصل في ما تقوم به واجبها تجاه الناس، وعلى الحكومة أن تعزز من هامش الحريات الإعلامية، والتخلي عن ضيق الصدر والرقابة التي تمارسها على الصحافيين ووسائل الاعلام.

ولا يجوز للصحافيين الاستمرار في الصمت والاستسلام لسطوة الرقيب الذاتي والتفريط بحقوقهم المشروعة والمكتسبة أو تلك التي منحها لهم القانون، وعليهم الاستمرار في نقل الأخبار والكتابة كما تمليه عليهم ضمائرهم ومواثيق الشرف المهنية التي يجب على الصحافيين التمسك والعمل بها، وعليهم القيام بدورهم النقدي والتنويري، والاستمرار برصد ونقد السياسات والبرامج والانتهاكات وتقييد الحريات العامة، وما تقدمه الحكومة من خدمات للناس
."

No comments: