توطين الفلسطينيين في سيناء
"يستخدم الاعلام الرسمي المصري، الذي تسيطر عليه وتوجهه مؤسسة الرئاسة، تعبيرات غريبة، لتهييج الرأي العام المصري ضد الشعب الفلسطيني، أحدثها القول بان هناك مؤامرة لـ توطين الفلسطينيين في سيناء.
كنا نعتقد ان فزاعة توطين اللاجئين الفلسطينيين حق حصري لبعض القوي اللبنانية المسكونة بعقدة الطائفية البغيضة، ولم نكن نعتقد انها ستمتد الي مصر الكبري، التي يقترب عدد سكانها من الثمانين مليون نسمة، مثلما يتردد حاليا، وبشكل مفــتعل في مقــــالات بعـــض كتاب الحكومة.
الفلسطينيون لا يريدون التوطين في سيناء او غيرها، فالمصريون انفسهم يرفضون في معظمهم هذا الخيار، لانها صحراء قاحلة، اهملتها الحكومات المتعاقبة علي مدي نصف قرن علي الاقل، وتعاملت مع اهلها كمواطنين من الدرجة العاشرة.
الفلسطينيون يريدون المرور فقط عبرها، والخروج من سجنهم الكبير الذي ساهمت الحكومة المصرية في احكام اغلاقه تجاوبا مع املاءات اسرائيلية وامريكية.
وربما يفيد التذكير بان ازمة الحجاج الفلسطينيين تفاقمت عندما ارادت الحكومة المصرية توطينهم بشكل مؤقت في معسكر خيام، اقامته عندما اتفق الرئيس مبارك مع ضيفه ايهود باراك علي اعادتهم عبر معبر كرم ابوسالم الاسرائيلي. وان الفلسطينيين الذين جري احتجازهم قبل عام علي الناحية الثانية من المعبر تظاهروا، وحطموا بعض الاثاث في مطار العريش لانهم يفضلون العودة الي سجن قطاع غزة علي البقاء في سيناء.
مشكلة الحكومة المصرية ليست مع قطاع غزة وانما مع الشعب المصري نفسه، هذا الشعب الصابر الذي يري ثرواته تنهب من قبل القطط السمان في وضح النهار، بينما لا يجد رغيف الخبز لاطفاله.
فالذين يحكمون مصر هذه الايام ليست لهم علاقة بالشعب المصري ومعاناته من قريب او بعيد، لانهم يعيشون في منتجعات فخمة، ويتنقلون بطائرات عمودية، وان تواضعوا واقتربوا من الارض ففي سيارات مظللة حتي لا يروا الناس المسحوقين.
النظام المصري يدرك حجم حالة الغليان في الشارع المصري بسبب ارتفاع الاسعار بشكل جنوني، وتفاقم معدلات البطالة، وتراجع المداخيل، ولذلك يريد تصدير مشاكله الي طرف ثالث، وليس هناك افضل من ابناء قطاع غزة.
الشعب المصري الذي قدم آلاف الشهداء دفاعا عن فلسطين، واقتطع من لقمة عيشه لكي يدعم اهلها، لا يمكن ان تنطلي عليه هذه الالاعيب البهلوانية، ولا نعتقد ان مصريا واحدا يمكن ان يصدق بان المجوعين المعدمين في قطاع غزة يمكن ان يجتاحوا مصر العظيمة او ينتهكوا سيادتها، حتي لو ارادوا ذلك، وهم قطعا لم يفكروا مطلقا بمثل هذه الافكار التي تعكس الحالة المرضية لمروجيها.
نحمد الله ان هناك صحافة مستقلة في مصر، صحافة وطنية شريفة، تنحاز الي مصلحة مصر الحقيقية، ومعاناة شعبها، وتتصدي لحملات التضليل هذه التي يمارسها بعض الوجوه المحروقة في الاعلام الرسمي، المرئي منه والمقروء، وهو اعلام بات محدود التأثير في محيطه، ناهيك عن المحيط العربي بعد ان كان رائدا عندما وقف دائما في خندق قضايا الامة الاساسية ومنها قضية فلسطين."
No comments:
Post a Comment