An Important Editorial (Arabic)
تحالف عربي لارهاب الاعلام
عبد الباري عطوان
"يبدو ان شهر عسل الاعلام العربي شبه المستقل في طريقه للانتهاء بسرعة قياسية، والشيء نفسه يقال عن الهامش المحدود للحريات في المحطات الفضائية العربية، فوزراء الاعلام العرب باتوا ينسقون بطريقة يحسدون عليها، لوأد هذه الحريات، واعادة الاعلام العربي الي العصور الجاهلية، اي اعلام اشاد و استقبل و ودع ، وتخصيص نشرات الاخبار بكاملها لمكارم الحاكم، وانجازاته العظيمة، ومشاريع الخير التي يفتتحها في سهره علي راحة المواطنين.
ما يدفعنا الي ابداء هذه النظرة التشاؤمية ثلاث وقائع اساسية ظهرت ارهاصاتها بشكل واضح في الاسابيع القليلة الماضية، نرصدها فيما يلي:
اولا: تبني وزراء الداخلية العرب في اجتماعهم الذي اختتم اعماله في العاصمة التونسية في الاسبوع الماضي ما اسموه بادخال تعديلات علي استراتيجية مواجهة الارهاب، تجرّم اي ترويج له او تحريض عليه من قبل اشخاص او وسائل اعلام، وكذلك امتلاك مواد او اشرطة لجماعات ارهابية.
ثانيا: نشرت صحيفة المصري اليوم المستقلة في عددها بالامس نبأ قالت فيه ان السيد انس الفقي وزير الاعلام المصري ونظيره السعودي الدكتور اياد مدني اتفقا علي تقديم مشروع بادخال تعديلات علي القوانين المنظمة لعمل الفضائيات العربية اثناء اجتماع وزراء الاعلام العرب المزمع عقده في القاهرة الاسبوع المقبل، بحيث تتضمن نصا يلزم الدولة مانحة الترخيص، بإنذار المحطة الفضائية، والغاء ترخيصها نهائيا، اذا تجاوزت الضوابط والمحاذير السياسية في برامجها الحوارية السياسية.
ثالثا: الضغوط التي مورست من قبل الحكومة السعودية، والولايات المتحدة الامريكية علي ادارة قناة الجزيرة الفضائية التي احدثت ثورة في الاعلام العربي بجرأتها، وهي الضغوط التي ادت الي توقف القناة القطرية كليا عن تناول الشأن السعودي وتطوراته، خاصة علي صعيد مطالبة النشطاء بالديمقراطية، والحريات، والملكية الدستورية.
اللافت ان هذه الحملة التي تهدف الي تكميم الاعلام العربي، تأتي من قبل الدولتين المسيطرتين كليا علي هذا الاعلام، عبر المال او النفوذ، اي مصر والمملكة العربية السعودية، وساعدت الطفرة المالية الهائلة، الناجمة عن الارتفاع الكبير في اسعار النفط، الدولة الثانية، اي السعودية، لإحكام سيطرتها بشكل اكبر علي وسائل الاعلام العربية، والمشرقية علي وجه الخصوص.
المملكة العربية السعودية تمــــلك اكبر امــــــبراطورية اعلامية، مرئية ومكتوبة ومسموعة في المنطقة، وتمتد اذرع نفوذها الي وسائل اعلامية في لبنان واوروبا ودول الخليج، وتسيطر بطريقة شبه كاملة علي المـــناطق الاعلامية الحرة في الوطن العربي خاصة في دبي، في دولة الامارات العربية المتحدة.
التهديد للاعلام العربي شبه المستقل، والباحث عن المهنية والموضوعية في حدودهما الدنيا، يتكون من شقين اساسيين، فإما التجريم تحت تهمة الارهاب والتحريض عليه وفق قرارات وتعديلات وزراء الداخلية العرب، او المصادرة والاغلاق وسحب التراخيص وفقا للتعديلات التي يريد ادخالها وزراء الاعلام العرب.
فحكومة السيد نوري المالكي في العراق الجديد تستطيع ان تطالب باغلاق اي محطة فضائية عربية بمقتـــــضي استراتيجية وزراء الداخلية العرب المعتمدة بالاجماع، اذا رفضت وصف المقاومة العراقية للاحتلال الامريكي بالارهاب، واستمرت في استضافة قياداتها او المتعاطفين معها في قنواتها الفضائية.
وتستطيع الحكومة السعودية، او المصرية، وفق المبدأ نفسه، اصدار امر قضائي بالقبض علي اي معلق سياسي او مدير محطة فضائية يعرض شريطا للشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة او نائبه الدكتور ايمن الظواهري في محطته، بتهمة الترويج للارهاب، ونشر او اذاعة مواد ارهابية ممنوعة تهدد امن الدولة.
سبب هذه الهجمة هو حالة الصحوة المحدودة التي سادت بعض اوساط الرأي العام العربي اثر الحصار التجويعي الفاجر من قبل اسرائيل لقطاع غزة، والتأييد العربي الشعبي العارم لحادث اقتحام الحدود المصرية مع قطاع غزة، وتدمير السور الفاصل بين الجانبين.
وما يعزز هذا التفسير، الحملة الاعلامية الرسمية المصرية المبالغ فيها التي نراها هذه الايام في الصحف ومحطات التلفزة، وتعمل علي تحريض الشعب المصري ضد اشقائه الفلسطينيين في هجوم مضاد يركز علي سيادة مصر، ومدي ثراء الجياع في قطاع غزة، وكتابة المقالات المطولة عن قوائم مشترياتهم في محاولة مدروسة للعب علي تواضع احوال المواطن المصري المادية.
الذين يكتبون هذه المقالات في الصحف المصرية ويتحدثون عن سيادة بلادهم المهدورة من قبل ابناء قطاع غزة الجياع، لا يقولون كلمة واحدة عن فشل هذه السيادة وحكام القاهرة، في زيادة عدد الجنود المصريين بمقدار الضعفين، اي ارسال 750 جنديا اضافيا لحماية الحدود من الاجتياح مرة اخري بسبب الفيتو الاسرائيلي.
الحكومات العربية، والسعودية والمصرية من بينها علي وجه الخصوص، تريد اعادة الرأي العام العربي الي مرحلة الموات السابقة التي سادت قبل الطفرة الفضائية، ولعب الاعلام الرسمي فيها دورا بطوليا، اي مشاهدة برامج سياسية ليست لها علاقة بالواقع، وتعكس وجهة نظر خبراء اجهزة المخابرات وحكامهم.
والاخطر من ذلك ان الدولتين من خلال بعض الممولين التابعين لهما هما الاكثر استثمارا في محطات الترفيه واللهو التي تتناسخ وتتكاثر بشكل مرعب هذه الايام، ويعتقد الكثيرون انها تهدف الي افساد النشء الجديد، وحرفه عن القضايا الاساسية والجوهرية، التي تؤثر علي مستقبله مثل البطالة والفساد وانتهاك حقوق الانسان والحريات باشكالها كافة.
انه ارهاب يتعرض له الاعلام العربي هذه الايام يهدد بالحيلولة دون تطوير مجتمعاتنا العربية، ولحاقها بركب الامم المتحضرة، ويكرس الاستسلام لمخططات الهيمنة والتبعية الامريكية الحالية، وربما الاسرائيلية مستقبلا. ارهاب سيعرقل وصول الحريات الديمقراطية الي المنطقة الوحيدة في العالم التي لم تصل اليها، وما زالت تحكم من قبل انظمة دكتاتورية شمولية.
ندرك جيدا اننا مستهدفون مثل القلة القليلة من امثالنا الذين فضلوا التغريد خارج السرب، وانحازوا الي المواطن ومصالحه، ولكن ندرك ايضا ان من واجب كل الاعلاميين الشرفاء الحريصين علي مهنتهم، وتقدم مجتمعاتهم وأمتهم ان يرفعوا صوتهم في وجه هذا الارهاب الزاحف، الذي لا يقل خطرا عن الارهاب المسلح، ان لم يكن يفوقه، لان الزمن الذي كان يذهب فيه المواطن العربي الي اذاعة الـ بي بي سي لمعرفة اخبار بلده من المفروض ان يكون ولّي الي غير رجعة."
No comments:
Post a Comment